مهيأة ، بل يعتصم بنور إيمانه وبرهان ربه ووازع دينه ، ويقول : (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ). أو يقول : (مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
والمراقبة هي التي تجعل الانسان أمينا على الأموال بين يديه ، فقد يستطيع أن يسرق منها أو يختلس ، ولكن صوتا من الأعماق ينهاه ، لأنه يرى على الدوام نور مولاه. والمراقبة هي التي تجعل الإنسان يؤدي عمله على خير ما يكون الأداء ، لأنه لا يرائي في عمله كبيرا أو رئيسا ، ولكنه يراقب ربّه ، ويتذكر قول نبيه : «إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه».
وما دمنا قد عرفنا من قبل أن المراقبة تنمو وتعلو بطول المجاهدة ، وما دامت عزائم الناس تختلف ، فمن الطبيعي أن تتفاوت درجات أهل المراقبة ، فمنهم سابق مبرّز ، ومنهم معتدل متوسط ، ومنهم بادىء يسعى نحو غايته ، ولقد تحدث حجة الاسلام الغزالي عن درجات المراقبة ، فجعلها درجتين ، والدرجة الأولى في تصويره وتعبيره هي درجة الصديقين ، وهي كما يعبّر ـ درجة التعظيم والاجلال ، أي أن يصير القلب مستغرقا بملاحظة ذلك الجلال ، وخاضعا تحت الهيبة فلا يبقى فيه متسع للالتفات إلى الغير أصلا ، وهذه مراقبة مقصورة على القلب ، وأما الجوارح فإنها تتعطل عن التلفت إلى المباحات فضلا عن المحظورات ، وإذا تحركت بالطاعات كانت كالمطبوعة عليها ، فلا تحتاج إلى تدبير وتثبيت في حفظها على طريق الرشاد والسداد ، ولا عجب فالقلب هنا هو القائد وهو الراعي ، فإذا صار مستغرقا بالمعبود جل جلاله صارت الجوارح منقادة له ، جارية على الطاعة والاستقامة بلا تكلف.
وصاحب هذه الدرجة من المراقبة هو الذي يصير همّه هما واحدا ، ويكفيه الله سائر الهموم ، وقد يغفل عن الخلق فلا يحس بهم ، ولا يرى منهم ، ولا يسمع لهم.
والدرجة الثانية هي درجة الورعين من أصحاب اليمين ، وهم قوم غلب على قلوبهم يقين اطلاع الله على ظاهرهم وباطنهم ، ولكن لم تدهشهم ملاحظة الجلال