المحاولة ، وقوة العزيمة في حمل النفس على ما ينبغي لها ويليق بها من تطهير وتصفية وتعلية ؛ ولذلك يقرر بعض المربين الإسلاميين أن أول المراقبة هو علم القلب بقرب الله سبحانه ، والقرآن الكريم يقول : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). وهذا القرب يستوجب اشتغال العبد بمن قرب منه وأحاط به وهيمن عليه ، وإذا كان هناك أناس من الأقارب أو الأباعد ، يدنون من الإنسان أو يتصلون به ، فهؤلاء لا يعلمون إلا الظاهر من أمره ، ولا يستطيعون أن يستبطنوا في طواياه وحناياه ، فللناس الظواهر ، والله يتولى السرائر ، وكذلك كان من هدى الصوفية في تقويم سلوك الإنسان ، وربطه بحبل المراقبة ، أن يقولوا له مثلا : إذا جلست للناس فكن واعظا لنفسك وقلبك ، ولا يغرنك اجتماعهم عليك ، فإنهم يراقبون ظاهرك ، والله رقيب على باطنك.
ومما يقوي جانب المراقبة في صدر الإنسان ويدعم كيانها أن يترطب لسانه على قدر طاقته بذكر أسماء الله الحسنى التي تحيي فيه عناصر هذه المراقبة ، كهذه الأسماء الكريمة : «الرقيب ، الحفيظ ، العليم ، السميع ، البصير» ، وأن يطيل التفكير فيها والتدبر لها ، والتأثر بها ، والاستجابة لموحياتها وتوجيهاتها ، فمن عقل معاني هذه الأسماء وتعبّد بمقتضاها ، بسقت في صدره شجرة المراقبة.
كما تقتضي المراقبة أمورا منها :
١ ـ الاقبال على الله تعالى حسّا ونفسا.
٢ ـ الدوام على هذا الاقبال حتى لا يكون هناك انقطاع يتخلله ، او فترة تعرض له
٣ ـ أن يكون عماد الاقبال هو حضور القلب ويقظته المستمرة.
٤ ـ تعظيم الخالق تعظيما منبعثا من الشعور بجلاله وكماله وجماله.
٥ ـ امتلاء القلب بهذا التعظيم حتى لا يلتفت الانسان إلى سواه.
وكذلك تقتضي المراقبة من صاحبها أنه إذا همّ بأن يعمل عملا يتأكد أولا من الدافع الذي يدفعه الى هذا العمل : أيعمله لوجه الله ، أم يعمله لشهوته وهواه؟