وشعوره ووجدانه.
وفي كتاب الله المجيد آيات تشير إلى هذه المراقبة ، وتدعو إليها وتأمر بها وإن لم تصرح بمادتها ، فيقول القرآن الكريم : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) .. ويقول : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ). ويقول (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى). ويقول (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) ويقول : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)؟. والمراقبة لله تعالى تنشأ عن خشية جلاله ، وعميق الشعور بسلطانه ، ولذلك سئل بعض العارفين عن معنى قوله عز من قائل : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) ، فأجاب : «معناه : ذلك لمن راقب ربّه عزوجل ، وحاسب نفسه وتزود لمعاده». وقال محمد بن علي الترمذي : «اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك ، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك ، واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه ، واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه».
وإنما يتحلى بفضيلة المراقبة خيار العباد من العقلاء ، وصفوة الناس من الأتقياء ، وأرباب البصائر الذين يعلمون ـ كما يعبّر الغزالي ـ أن الله تعالى لهم بالمرصاد ، وأنهم سيناقشون في الحساب ، ويطالبون بمثاقيل الذرّ من الخطرات واللحظات (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) أولئك الذين تحققوا ـ كما قال أيضا ـ أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار الا لزوم المحاسبة ، وصدق المراقبة ، ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات ، ومحاسبتها في الخطرات واللحظات ، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره خفّ يوم القيامة حسابه وحضر له عند السؤال جوابه ، وحسن منقلبه ومآبه ، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته ، وطالت في ساحات القيامة وقفاته ، وقادته إلى العقاب سيئاته.
وصفة المراقبة لا تتجلى في صاحبها بقوتها ومكانتها في يوم وليلة ، بل هي تنبثق وتنمو ، وتزهر وتعلو ، وتشرف وتسمو ، بطول المجاهدة وتكرار