أحوالهم ، ويعدّ أنفاسهم ، كما قال القشيري في كتابه «التحبير في التذكير». ويقول ابن الأثير إن الله هو الرقيب لأنه الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء ، وقد جاء وصف الله تعالى باسم الرقيب في أكثر من آية ، ففي سورة المائدة على لسان عيسى : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ). وفي سورة النساء : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). وفي سورة الأحزاب : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً).
والمراقبة بالمعنى الأخلاقي هي ملاحظة الإنسان نفسه في أعمالها وأقوالها ، وتحركاتها وخطراتها ، ليقيمها على الصراط السويّ ، لأن إهمال ملاحظة النفس يؤدي بها الى الطغيان والفساد. ويرى الصوفية أن المراقبة هي حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة ، وهذه الحالة تثمر أعمالا في الجوارح وفي القلب ، والمعرفة هنا هي العلم بأن الله محيط بكل شيء ، وأنه عليم بكل شيء ، وأنه مطلع على الضمائر ، رقيب على السرائر ، قائم على كل نفس بما كسبت. ومتى سيطرت تلك المعرفة على القلب جعلته مراعيا لله جل جلاله ، ملاحظا إياه ، منصرفا إليه. ولذلك يقول ابن القيم : «المراقبة دوام علم العبد باطلاع الحقّ سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه ، فاستدامته لهذا العلم واليقين هي المراقبة ، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب ، ناظر إليه ، سامع لقوله ، وهو مطلع على عمله كلّ وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عين». ويقول القشيري عن المراقبة في مفهوم الصوفية : «فالمراقبة عند أهل هذه الطائفة أن يصير الغالب على العبد ذكره بقلبه أن الله مطلع عليه على الدوام ، فيخاف سطوات عقوبته في كل نفس ، ويهابه في كل وقت».
ومن هذا نفهم أن فضيلة «المراقبة» صفة تنبع من أعماق القلب ، وتنبثق من طوايا النفس ، وترتبط بالباطن اكثر مما ترتبط بالظاهر ، فهي قائمة على الشعور الحيّ العميق بجلال الله وسلطانه ، ولقد قال عبد الله بن المبارك لرجل : راقب الله تعالى ؛ فسأله عن معنى ذلك ، فقال له : كن أبدا كأنك ترى الله. والمرء لا يرى الله بباصرة ولا بجارحة ولا بحاسة ، وإنما يرى جلاله بقلبه