(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً) (١٨) [الإسراء : ١٨] هذه قيدت بقيدين :
أحدهما : في المراد وهو ما نشاء ، والثاني في المريد : وهو لمن نريد ، وبذلك قيد مطلق (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (١٤٥) [آل عمران : ١٤٥] ، (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (٢٠) [الشورى : ٢٠] ونحوه ، وكذلك (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (١٩) [الإسراء : ١٩] مقيد بقيدين السعي المناسب والإيمان ، ولا يبعد أن يفسر المحكم بمثل هذه المقيدات والمتشابه بما يقابلها من المطلقات.
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (٢١) [الإسراء : ٢١] إن قيل : تفاوت الدرجات في الآخرة مما يتأذى به المفضول فيها عادة ، وذلك يعارض النص بأن لا نصب فيها ولا حزن ، ولا هم ، قلنا : العادة ترتفع هناك ، ويرضى كل بما حصل له ، وثمرة التفاوت تحصل في نفس إدراك النعيم ، فإدراك بعضهم أقوى ولذته أتم من بعض ، وهذا كما تفاوتوا في الدنيا في العقول ، ثم كل منهم راض بعقله ، وثمرة التفاوت فيها يظهر في الإدراك العقلي قوة وضعفا.
قوله ـ عزوجل ـ : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) (٢٣) [الإسراء : ٢٣] اعلم أن قضى تستعمل بمعنى أمر ، وبمعنى حكم ، فالجمهور على أنه هنا بمعنى أمر ، أي أمر بالتوحيد وإكرام الوالدين ، وعطف الوصية فيهما على الوصية بالتوحيد تعظيما لشأنهما ، إذ كان هو الخالق ، وهما سبب الخلق الكاسبان / [٢٦١ / ل] له ، [وابن العربي صاحب / [١٢٢ / ب] «الفصوص» حمل «قضى» هاهنا على معنى حكم وجزم وقدر وحتم ، فلا جرم احتج بها على أنه ـ عزوجل ـ عين الوجود أو سار بذاته في الوجود حتى في سائر المعبودات ، كود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر ، ونار المجوس ، والنيرين ، والنجوم للصابئة ، واللات والعزى ، ونحوهما للعرب ، وغير ذلك ،