فى رأسه وجسده ، ثم قال : لقد ندمت على مسألتى ، فهل ينجينى من مكانى الّذى أنا فيه شيء؟ فقال له خير الملائكة ورئيسهم : يا موسى اصبر لما سألت ، فقليل من كثير ما رأيت. ثمّ أمر الله تعالى ملائكة السّماء الثّالثة ، أن اهبطوا على موسى واعترضوا عليه فهبطوا أمثال النّسور لهم قصف (١) ورجف ولجب شديد ، وأفواههم تتابع التسبيح والتقديس كجلب الجيش العظيم ، ألوانهم كلهب النّار ، ففزع موسى واشتدّ نفسه وأيس من الحياة ، فقال له خير الملائكة : مكانك يا ابن عمران حتى ترى ما لا تصبر عليه. ثمّ أمر الله تعالى ملائكة السّماء الرّابعة أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه ، فهبطوا وكان لا يشبههم شيء من الذين مرّوا به قبلهم ، ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الأبيض ، أصواتهم عالية بالتسبيح والتّقديس ، لا يقاربهم شيء من أصوات الّذين مرّوا به قبلهم ، فاصطكت ركبتاه وأرعد قلبه ، واشتدّ بكاؤه ، فقال له خير الملائكة ورأسهم : يا بن عمران اصبر لما سألت ، فقليل من كثير ما رأيت. ثمّ أمر الله تعالى ملائكة السّماء الخامسة أن اهبطوا فاعترضوا على موسى ، فهبطوا عليه لهم سبعة ألوان فلم يستطع موسى أن يتبعهم بصره ، لم ير مثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم ، فامتلأ جوفه خوفا ، واشتدّ حزنه وكثر بكاؤه ، فقال له خير الملائكة ورأسهم : يا بن عمران اصبر حتى ترى بعض ما لا تصبر عليه ، ثمّ أمر الله تعالى ملائكة السّماء السّادسة أن اهبطوا على عبدى الّذى طلب يرانى (٢) فاعترضوا عليه ، فهبطوا عليه فى يد كلّ ملك منهم مثل النّخلة (٣) الطّويلة نارا أشدّ ضوءا من الشمس ولباسهم كلهب النار ، إذا سبحوا وقدّسوا جاوبهم (٤) من كان قبلهم من ملائكة السّماوات كلّهم يقولون بشدّة أصواتهم سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح ، ربّ العزّة أبدا لا يموت ، فى رأس كلّ ملك منهم أربعة أوجه. فلمّا رآهم موسى ، رفع صوته يسبّح معهم حين سبّحوا وهو يبكى ويقول : ربّ اذكرنى ولا تنس عبدك ، لا أدرى أنفلت ممّا أنا فيه أم لا؟ إن خرجت احترقت ، وإن مكثت متّ! فقال له خير الملائكة ورأسهم : اسكت يا بن عمران : [أوشك](٥) أن يشتدّ خوفك وينخلع قلبك فاصبر
__________________
(١) فى النسختين : وصف ، وما أثبت من قصص الأنبياء للثعلبى.
(٢) فى قصص الأنبياء : الذى أراد رؤيتى.
(٣) فى قصص الأنبياء : حربة طويلة تلتهب نارا.
(٤) فى النسختين : خاولهم ، وما أثبت من قصص الأنبياء.
(٥) تكملة من قصص الأنبياء.