٣٦ ـ بصيرة
فى ذكر إبليس
وهو اسم أعجمىّ ممنوع من الصّرف ، وقيل عربىّ واشتقاقه من الإبلاس ؛ لأنّ الله تعالى أبلسه من رحمته ، وآيسه من مغفرته. قال ابن الأنبارىّ : لا يجوز أن يكون مشتقّا من أبلس لأنه لو كان مشتقا لصرف ، قال أبو إسحاق : فلمّا لم يصرف دلّ على أنّه أعجمىّ. قال ابن جرير : لم يصرف وإن كان عربيّا لقلّة نظيره فى كلامهم فشبّهوه بالأعجمىّ. وقال الواحدىّ : الاختيار أنه ليس بمشتق لاجتماع النحويين على أنّه يمنع من الصرف للعجمة والعلميّة.
واختلفوا هل هو من الملائكة أم لا ، فروى عن طاوس ومجاهد عن ابن عبّاس أنّه من الملائكة. وكان اسمه عزازيل فلمّا عصى الله تعالى لعنه وجعله شيطانا مريدا ، وسمّاه إبليس وبهذا قال ابن مسعود وسعيد بن المسيّب وقتادة ، وابن جريج وابن جرير ، واختاره ابن الأنبارىّ والزّجّاج ، قال : وهو مستثنى من جنس المستثنى منه ، قالوا : وقول الله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِ)(١) أى طائفة من الملائكة يقال لهم الجنّ. وقال الحسن وعبد الرحمن ابن زيد ومسهر ، وابن حوشب : ما كان من الملائكة قط ، والاستثناء منقطع ، والمعنى عندهم أنّ الملائكة وإبليس أمروا بالسّجود فأطاعت الملائكة وعصى إبليس. والصّحيح أنّه كان من الملائكة (٢) لأنّه لم ينقل أنّ غير الملائكة أمر بالسّجود ، والأصل فى المستثنى أن يكون من جنس المستثنى منه. وعن ابن عبّاس رضى الله عنهما أنّ الله تعالى أمر إبليس أن يأتى محمّدا صلىاللهعليهوسلم فى صورة إنسان ويجيبه عن كلّ ما سأل. قال : فجاء اللعين
__________________
(١) الآية ٥٠ سورة الكهف
(٢) فى الكشاف للزمخشرى عند تفسير قوله تعالى (كانَ مِنَ الْجِنِّ) : كلام مستأنف جار مجرى التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين ، كأن قائلا قال : ما له لم يسجد فقيل كان من الجن (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) ، والفاء للتسبيب أيضا جعل كونه من الجن سببا فى فسقه ، لأنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر الله لأن الملائكة معصومون البته لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس كما قال (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وهذا الكلام المعترض تعمد من الله تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة فى عصمتهم ، فما أبعد البون بين ما تعمده الله وبين قول من ضاده وزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة فعصى فلعن ومسخ شيطانا ، ثم وركه على ابن عباس. اه.