بلى ، قد جرى الحال على هذا المنوال في العهد العباسي من النزاع والتخاصم بين مدرسة أهل البيت والجمهور في التثويب والحيعلة ، بل تطوّر الأمر من كونه خلافاً فقهياً بين الصحابة إلى كونه ميزاناً سياسياً يوزن به الأطراف ، فكانت الحيعلة الثالثة والتثويب هما المعيار في الموازنة ، وكلّ واحدة من الدول الشيعية والسنية المتعاقبة على البلدان الإسلامية كانت تعرف بهذا أو ذاك ، وكان هذا يعتمد الحيعلة والآخر يعتمد التثويب .
إذن نهج الخلفاء الثلاثة في عهدهم ومن بعدهم دور الحكومتين الأموية والعباسية كانت وراء ترسيخ قضية التثويب حديثيّاً وفقهيّاً واعتباره أصلاً شرعياً يجب الأخذ به .
إذ عرفت سابقاً بأنّ عمر بن الخطاب أمر مؤذنه أن يجعلها في أذانه ، ثم نُسب ذلك إلى رسول الله ، وأنّه صلىاللهعليهوآله قال لبلال : « اجعلها في أذانك » .
فهم ينسبون هذه المقولة إلى رسول الله كي يجعلوها شرعياً ، في حين أنّه لو كان في أذان بلال فيعني أنّه كان في الأذان الأول الذي يُنادى به في الليل وهو غير الزامي وشرعي حسب أصولهم ورواياتهم بل هو إعلامي تنبيهي فقط ومعناه يمكن أن ينادى به ويمكن أن لا ينادى به ، بخلاف الأذان والإقامة الشرعيان واللذان لا يشرّعان لغير الصلوات الخمس (١) .
ومن المعلوم بأنّ النداء بليل ليس بأحد تلك الأقسام الخمس على وجه اليقين إلّا أن نقول بأنّهم يعنون بكونه سنّة هو ما عنوه في صلاة التراويح ، قال الكاشاني في بدائع الصنائع :
______________________
(١) المجموع ٣ : ٧٧ .