جعلها سنة متبعة ، لكن لم يكن يؤذّن بها دائماً ، فتارةً كان يؤذّن بها قبل الفجر وأخرى بعده قبل الإقامة ، ولهذا أجازوا تركها وقالوا عنها : « سنّة لو تركه صحّ الأذان وفاته الفضيلة » (١) .
وجاء عن الإمام مالك جواز تركها إن كان لوحده ومعناه أنّها لم تكن جارية ومعمول بها على عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فلو أُذِّن بها في عهده أو من بعده من قبل ولده وشيعته ـ في بعض الأحيان ـ فكان يراد منها الإعلام وتنبيه النائمين فقط لا على أنها سنة رسول الله يجب الاتيان بها ، أو يوجر الآتي بها .
وعليه فإنّ أئمة أهل البيت لا يمانعون الإتيان بها إعلاماً وتنبيهاً ـ بشر أن لا تكون على نحو الجزئية ـ .
فلو كان التثويب قد شرّع فصلاً وركناً في الأذان على عهد الشيخين لوقف الإمام أمير المؤمنين علي أمامه ، ولذكره ضمن إحداثات من سبقه من الخلفاء ، لكنّهم كانوا يأتون بها بقصد الإعلام والتنبيه لا غير ، وهذا ما كان يفعله أهل البيت وبعض الصحابة أيضاً .
فالتثويب إذاً لم تصر سنة للشيخين يتعبد بها في عهدهما ، يدافعون عنها كالتراويح والنهي عن المتعتين وأمثالها من الأمور التي عدّت ضمن سيرتهما وسنّتهما ، بل أنّها بقيت مشكوكة يمكن مخالفتها وكاجتهادات بدائية قد يمكن أن تصير سنة في العصور اللاحقة وقد لا يحالفها الحظّ في ذلك .
فلو كانت تلك الجملة عندهم قد صارت سنّة لاستعان الإمام بفهم الصحابة
______________________
(١) المجموع ٣ : ٩٢ .