أنّ فطرة التوحيد للأجنّة هي أمر مستمرّ ويتحقّق في كلّ زمان ، والإشكالان يمكن الإجابة عليهما وذلك لعدم مانعية حمل هذا الكلام على لسان الحال مع القرينة ، وقد كثر ذلك في اللغة العربية نثراً وشعراً و... ، والإشكالات المهمّة التي ترد على التفسير الأوّل قرينة واضحة على هذا التفسير ، والفعل الماضي قد يستعمل في الاستمرار أيضاً ، وهذا ـ طبعاً ـ يحتاج إلى قرينة أيضاً ، وهذه القرينة موجودة في موضوع البحث (١).
أمّا التفسير الثالث القائل بأنّ المراد هو : سؤال الأرواح فانّه لا ينسجم مع آية البحث أبداً ، لأنّ الآية تتحدّث عن أخذ الذرّية من ظهور بني آدم ولا يرتبط هذا بقضيّة الأرواح.
وأمّا التفسير الرابع القائل بأنّ السؤال والجواب كان بهذا اللسان الطبيعي ويرتبط بمجموعة من البشر قد سئلوا بعد إبلاغهم بواسطة الأنبياء عن مسألة التوحيد وأجابوا بالإيجاب عليه ، فإنّ عليه إشكالات رئيسية منها :
إنّ الآية تتحدّث عن جميع البشر لا مجموعة صغيرة منهم آمنوا بالأنبياء أوّلاً ثمّ كفروا ، مضافاً إلى أنّ ظاهر الآية هو كون السؤال من قِبَلِ الله لا من قبل الأنبياء.
ولا يصحّ ما يظنّه البعض من أنّ جملة : (إنّما أشرَك آباؤُنا من قَبْل) دليل على أنّ الآية تقصد المجموعة التي أشرك آباؤها ، لأنّ الآية تذكر عذرين غير موجّهين للكفّار ، الأوّل هو الغفلة والثاني التقليد للآباء المشركين.
ويمكن أن يكون كلّ عذر لمجموعة خاصّة وأنّهما معطوفان بكلمة (أو).
وأمّا التفسير الخامس فإنّه يشابه التفسير الثاني من جهات مع وجود فارق وهو : أنّ التفسير الثاني يتحدّث عن الفطرة القلبية ، بينما يتحدّث التفسير الخامس عن فطرة العقل وكما أسلفنا فإنّ هذا التفسير قد مال إليه كثير من المفسّرين الأعلام.
وأمّا التفسير السادس الذي ورد في «تفسير الميزان» فإنّه يواجه إشكالَيْن كبيرين :
الأوّل : هو إثبات عالمين (عالم جمعي وعالم تفصيلي) ولا دليل واضح لهما حسب ما ورد من البيان.
__________________
(١) شوهدت هذه العبارة كثيراً في الآيات القرآنية : فاطر ، ٤٤ ؛ الشورى ، ٥١ ؛ الفتح ، ١١ ؛ الفتح ، ١٩.