والجدير ذكره أنّ ذيل الآية الاولى تنقل عنهم قولهم : (إِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهتَدُونَ) وقولهم في ذيل الآية الثانية (إِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقتَدُونَ) وهذا الاختلاف في التعبير قد يكون من قبيل (العلّة والمعلول) بمعنى أنّهم ادّعوا إنّنا إنّما نقتدي بأسلافنا لأنّ ذلك هو طريق الهدى والوصول إلى الحقّ!
على كلّ حال فإنّ القرآن الكريم في طول هذه الآيات يرد على هذا الفكر الباطل بشكل منطقي جميل ومحكم وينقل عن الأنبياء السابقين قولهم للمشركين المقلّدين الخرافيين : (قَالَ أَوَلَو جِئتُكُم بِأَهدَى مِمَّا وَجَدتُّم عَلَيهِ آبَاءَكُم قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلتُم بِهِ كَافِرُونَ). (الزخرف / ٢٤)
وللتقليد ـ كما سنبيّن ـ أنواع وأقسام ، فبعضه منطقي ويكون سبباً لانتقال العلوم من جيل إلى جيل آخر ، وبعضه خرافة وحمق وسبب لانتقال الخرافات والقبائح ولكلّ ذلك علامات سوف نشير إليها لاحقاً.
* * *
الآية الثانية من مجموعة الآيات المتعلّقة بمواجهة إبراهيم عليهالسلام مع عبدة الأصنام في بابل حيث سألهم بمنطقه الرصين الصريح : ما تعبدون؟ فكان جوابهم : (قَالُوا نَعبُدُ أَصنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ).
وبهذه الكلمات لم يقرّوا بالشرك فحسب بل راحوا يتفاخرون ويتباهون به ، وقد سدّ إبراهيم عليهالسلام الطريق عليهم من خلال سؤال واحد : (قَالَ هَلْ يَسمَعُونَكُم إذْ تَدعُونَ أَو يَنفَعُونَكُم أَو يَضُرُّونَ) ، أي أنّها (الأصنام) إن لم تنفع ولم تضرّ فلابدّ من أن تسمع نداء عبّادها على الأقل وإلّا لا معنى لعبادتها.
ولكن اولئك الذين لم يجرأوا على الادّعاء بأنّ الأصنام الحجرية والخشبية تسمع دعاءهم وتضرّعهم ، كما أنّهم لم يمتلكوا دليلاً على إثبات ضرّها ونفعها لتبرير عملهم ، اضطرّوا للتمسّك بأسلافهم والتشبّث بالتقليد الأعمى وقالوا : (بَلْ وَجَدْنَا آباءَنَا كَذَلِكَ يَفعَلُونَ).