في حالة التحدّث والكلام والجدال مع المشركين ونعلم أنّ مدينة بابل كانت تضم عبدة النجوم والقمر والشمس.
إنَّ المعلّم الذكي والمتحدّث الماهر عندما يواجه المعارض اللجوج المعاند فلا يقابله بمعارضة عقيدته فوراً بل يماشيه فترة ، وبتعبير آخر يتحرّك مع الموجة قليلاً ثمّ يركبها ، وبهذا النحو يكون إبراهيم عليهالسلام في بداية الأمر معهم ظاهراً لكي يريهم ضعف عقيدتهم ومنطقهم عند افول هذه الأجرام السماوية ، وهذا الاسلوب في النقاش مؤثّر ونافذ ومقبول كثيراً ولا يتنافى مع ما لإبراهيم عليهالسلام من مقام في التوحيد والمعرفة.
في رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام في جوابه للمأمون الذي كان يعتقد بتعارض هذه الآيات مع عصمة الأنبياء أنّه قال : «... إنّ إبراهيم عليهالسلام وقع إلى ثلاثة أصناف : صنف يعبد الزهرة ، وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس ... وكان قوله هذا على الإنكار والإستخبار ...» (١).
والتفسير الآخر هو أنّ إبراهيم عليهالسلام ألقى هذا الكلام بشكل فرضي ، والمحقّقون يواجهون ذلك في الغالب عند التحقيق.
للإيضاح نقول : يتوصّل الإنسان تارةً إلى قضيّة ما عن طريق الاستدلال الوجداني والشواهد الفطرية ولكنّه يريد أن يجعلها في إطار البرهان العقلي ، فيستعين بفرضيات مختلفة ويدرس مستلزمات كلّ فرضية حتّى يصل إلى ما يريد.
فمثلاً : يتوصّل المحقّق إلى أصالة الروح بوجدانه ويرغب في إقامة البرهان على ذلك فيفترض الروح مادّية أو أنّ المادّية من خواصها ثمّ يدرس اعراض المادّة وخواصها ومستلزماتها فيصل أخيراً إلى أنّ الماديّة (أو اعراض المادّة) لا تنسجم مع الظواهر الروحية فينفيها الواحدة تلو الاخرى حتّى يبلغ تجرّد الروح.
وإبراهيم عليهالسلام أيضاً ولكي يسلك طريق التوحيد المنطقي والذي توصّل إليه بوضوح في أعماق روحه يفترض فرضيات مختلفة ويقول (هذا ربّي) و (هذا ربّي) ثمّ يصل إلى بطلان
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام باختصار ، بنقل من تفسير الميزان ، ج ٧ ، ص ٢١٤.