ولأنّ إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلّد لم يقم عليه دليل ، فهو تشريع ، ويحتمل أن يكون التخيير للمفتي ، فيفتي بما اختار ، لأنّه حكم للمتحيّر ، وهو المجتهد ، ولا يقاس هذا بالشكّ الحاصل للمجتهد في بقاء الحكم الشرعي ، مع أنّ حكمه ـ وهو البناء على الحالة السابقة ـ
______________________________________________________
ثانيا : (ولأنّ إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلّد) وذلك بأن يفتي المجتهد ـ مثلا ـ بوجوب الظهر لمقلّده ، أو بوجوب الجمعة عليه : فيما إذا دلّ خبران : أحدهما على وجوب الظهر ، والآخر على وجوب الجمعة ، فإنّ إيجابه هذا ممّا (لم يقم عليه دليل ، فهو) أي : ايجاب مضمون أحد الخبرين على المقلّد بلا دليل (تشريع) محرّم بالأدلة الأربعة.
هذا (و) لكن (يحتمل أن يكون التخيير للمفتي) فقط ، فهو يختار أحد المتعارضين ، فإذا اختار وجوب الظهر ـ مثلا ـ (فيفتي بما اختار) لمقلّده ، وذلك (لأنّه) أي : التخيير (حكم للمتحيّر ، وهو) أي : المتحيّر (المجتهد) فقط لا المقلّد ، لأنّ المقلّد لا يعرف التعارض وغير ذلك حتى يتخيّر.
إن قلت : إن التخيير أصل كالاستصحاب ، وكما أن الاستصحاب مشترك بين المجتهد والمقلد ، فكذلك التخيير.
قلت : (ولا يقاس هذا) الذي نحن فيه من التخيير في باب الأخبار المتعارضة (بالشكّ الحاصل للمجتهد في بقاء الحكم الشرعي) فإنّه إذا شك المجتهد في زوال نجاسة الماء بزوال تغيره من نفسه ـ مثلا ـ يستصحب الحالة السابقة في علمه ، ويفتي بذلك الاستصحاب لمقلّده أيضا ، وذلك كما قال : (مع أن حكمه) أي : حكم الشك (وهو البناء على الحالة السابقة) المسمى بالاستصحاب