فوجوب الأخذ بأحدهما نتيجة أدلّة وجوب الامتثال ، والعمل بكلّ منهما بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة ، وهذا ممّا يحكم به بديهة العقل ، كما في كلّ واجبين اجتمعا على المكلّف ، ولا مانع من تعيين كلّ منهما على المكلّف بمقتضى دليله إلّا تعيّن الآخر عليه كذلك.
______________________________________________________
ترك المقدور.
إذن : (فوجوب الأخذ بأحدهما) أي : بأحد المتعارضين تخييرا ، لم يكن نتيجة لمجرّد دليل حجيّة الخبر لفظا كان أم لبّا ، لأنّ الدليل يدل على وجوب العمل بكل خبر عينا لا تخييرا ، وذلك على ما عرفت بل هو (نتيجة أدلّة وجوب الامتثال ، و) كذلك نتيجة أدلة وجوب (العمل بكلّ منهما) لكن (بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة) فاللفظ إذن لم يستعمل في أكثر من معنى : بل لأنّه حيث كان في كل من المتعارضين ملاك ، ولم يتمكن المكلّف من امتثالهما يرى العقل وجوب امتثال أحدهما تخييرا ، وذلك كما قال (وهذا ممّا يحكم به بديهة العقل ، كما في كلّ واجبين) متزاحمين كانقاذ غريقين (اجتمعا على المكلّف) وكان المكلّف لا يتمكن إلّا من أحدهما.
إن قلت : كيف يحكم العقل بوجوب الأخذ بأحدهما تخييرا ، مع أن دليل حجيّة الخبر دل على تعيين كل منهما؟.
قلت : (ولا مانع من تعيين كلّ منهما على المكلّف بمقتضى دليله إلّا) عجز المكلّف عن جمعهما ، المانع من (تعيّن الآخر عليه كذلك) أي : بمقتضى دليله ، فإنّ كل منهما واجب على المكلّف بدليل حجيّته ومتعيّن عليه الاتيان به ، غير أنّ عجز المكلّف عن جمعهما والاتيان بهما معا يمنع من تعيّن الآخر عليه ، وحيث يمنع العجز من الجمع بينهما يحكم العقل بوجوب الاتيان بأحدهما تخييرا.