الثاني : من حيث كونه كاشفا عن مقصود المتكلم ، والشك من هذه الحيثية يكون من وجوه :
أحدها : من جهة أنّ المتكلّم بذلك القول قصد الكشف بذلك عن معنى ، أم لم يقصد ، بل تكلّم به من غير قصد لمعنى؟.
______________________________________________________
وما أشبه ذلك ، كلها شاملة للأقوال من هذا الحيث أيضا ، ويؤيّده : انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
لم يحمل كلام المنافق الذي حلف أنّه لم ينمّ عليه على الكذب ، بل سكت صلىاللهعليهوآلهوسلم عنه ، حتى قال سبحانه يمدح نبيّه : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (١).
أقول : لكن لا يبعد أن يكون هناك فرق : بين ما لم نعلم صدقه وكذبه فنحمله على الصدق ، وبين ما نعلم كذبه لكن لا نعلم هل هو صادر عن مجوّز شرعي للكذب أم لا؟ فانه لا يحمل على الصحة حتى يثبت ذلك ، وهذا كالفرق بين من نراه يشرب مائعا مردّدا بين الخمر والماء فحيث لا نعلم بأنه خمر نحمله على انه يشرب الماء ، وبين من نعلم انه يشرب الخمر لكن لا نعلم هل انه يشربه عن وجه صحيح أو فاسد؟ فانه لا يحمل على الصحيح حتى يثبت ذلك.
(الثاني : من حيث كونه) أي : الكلام (كاشفا عن مقصود المتكلّم ، و) لا يخفى : انّ هذا العنوان لا ينطبق على الوجه الثالث من وجوه هذا البحث الذي سيذكره المصنّف إن شاء الله تعالى بعد قليل ، وكيف كان : فإنّ (الشك من هذه الحيثية يكون من وجوه) تالية :
(أحدها : من جهة) القصد واللاقصد ، وهو : هل (أنّ المتكلّم بذلك القول قصد الكشف بذلك عن معنى ، أم لم يقصد ، بل تكلّم به من غير قصد لمعنى؟) أي : بأن تكلّم لغوا ، أو هزلا ، أو نحو ذلك.
__________________
(١) ـ سورة التوبة : الآية ٦١.