بالخبر قط ، لأن الكافّة التي يلزم قبول نقلها هي : إمّا الجماعة التي يوقن أنها لم تتواطأ لتنابذ طرقهم ، وعدم التقائهم ، وامتناع اتفاق خواطرهم على الخبر الذي نقلوه عن مشاهدة ، أو رجع إلى مشاهدة ولو كانوا اثنين فصاعدا.
وإمّا أن يكون عدد كثير (١) يمتنع منه الاتفاق في الطبيعة على التمادي على سنن ما نواطئوا عليه ، فأخبروا بخبر شاهدوه ولم يختلفوا فيه ، فما نقله أحد أهل هاتين الصفتين عن مثل إحداهما وهكذا حتى يبلغ إلى مشاهدة ، فهذه صفة الكافة التي يلزم قبول نقلها ، ويضطر خبرها سامعها (٢) إلى تصديقه ، وسواء كانوا عدولا أو فساقا أو كفّارا وما عدا هذا من الخبر فليس كافة ، ولا يضطر سامعه إلى تصديقه ، وسواء أكانوا عدولا أم غير عدول ولا يقطع على صحته إلا ببرهان. فلما صح ذلك نظرنا فيمن نقل خبر صلب المسيح عليهالسلام فوجدناه كواف عظيمة صادقة بلا شك في نقلها جيلا بعد جيل إلى الذين ادّعوا مشاهدة صلبه ، فإنّ هنالك تبدّلت الصفة ورجعت لى شرط مأمورين مجتمعين مضمون منهم الكذب وقبول الرشوة على قول الباطل.
والنصارى مقرون بأنهم لم يقدموا على أخذه (٣) نهارا خوف العامة ، وإنما أخذوه ليلا عند افتراق الناس عن الفصح ، وأنه لم يبق في الخشبة إلّا ست ساعات من النهار ، وأنه أنزل إثر ذلك ، وأنه لم يصلب إلّا في مكان نازح (٤) عن المدينة في بستان فخار متملك للفخار ، ليس موضعا معروفا بصلب ولا موقوفا لذلك ، وأنه بعد هذا كله رشي الشّرط على أن يقولوا إن أصحابه سرقوه ففعلوا ذلك ، وأن مريم المجدلانية وهي امرأة من العامة لم تقدم على حضور موضع صلبه ، بل كانت واقفة على بعد تنظر ، هذا كله في نص الإنجيل عندهم فبطل أن يكون صلبه منقولا بكافة ، بل بخبر يشهد ظاهره على أنه مكتوم متواطأ عليه. وما كان الحواريون ليلتئذ بنص الإنجيل إلا خائفين على أنفسهم ، غيّبا عن ذلك المشهد ، هاربين بأرواحهم مستترين. وأنّ «شمعون الصفا» (٥) غرّر ودخل دار «قيقان» الكاهن أيضا بضوء فقال له : أنت من أصحابه فانتفى وجحد ،
__________________
(١) يجوز الرفع في «عدد كثير» على أنّ «يكون» فعل تام ، و «عدد كثير» فاعل. ويجوز النصب فيه على أنه خبر «يكون» واسمه «الكافّة».
(٢) الصواب «سامعه» أي : سامع هذا الخبر.
(٣) أي المسيح عليهالسلام.
(٤) نازح : بعيد.
(٥) هو القديس بطرس أحد حواريي المسيح عليهالسلام.