المنتنة متى ذكر الله عزوجل قال : الله والد ربنا المسيح آمرا كذا وكذا ، ثم هاهنا قال : إن المسيح قال : إنه لا يعلم الأب إلا الابن ، ولا يعلم الابن إلا الأب ، فقد وجب ضرورة أن التلاميذ وسائر النصارى لا يعرفون الله تعالى أصلا ، ولا يعرفون المسيح البتة ، فهم جهّال بالله تعالى وبالابن ، ومن جهل الله تعالى ولم يعرفه فهو كافر ، فهم كلهم كفار أسلافهم وأخلافهم ، أو كذب المسيح في هذا الكلام ، أو كذب النذل متّى ، لا بد والله من أحدها ، وقد أعاذ الله تعالى عبده ورسوله من الكذب ، فبقيت الاثنتان وهما والذي سمك السماء حق ، وإن النصارى لكفار جهال بالله عزوجل ، وإن الشرطيّ متّى لكذاب كافر ملعون ، فعلى جميعهم لعنة الله. نعم وفي هذا القول الملعون الذي أضافوه إلى المسيح عليهالسلام القطع بأن الملائكة والأنبياء السالفين كلهم ليس منهم أحد يعرف الله تعالى ، فاعجبوا لكفر هذا اللعين متى وعظيم حماقته ومن قلده في دينه؟ ونحمد الله على السلامة كثيرا.
فصل
مطالبة المسيح بآية
وفي الباب المذكور أن بعض التوراتيين قال للمسيح : يا معلم إنا نريد أن تأتينا بآية فقال لهم المسيح : يا نسل السوء ونسل الزنا تسألون آية ولا ترون منها آية غير آية يونس النبي ..؟ فكما أن يونس كان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال ، كذلك يكون ابن الإنسان في جوف الأرض ثلاثة أيام بلياليها.
قال أبو محمد : لو لم يكن في أناجيلهم إلا هذا الفصل الملعون وحده لكفى في بطلان جميع أناجيلهم ، وجميع دينهم. فإنه قد جمع عظيمتين :
إحداهما : تحقيق أنه لم يأت مخالفيه قط بآية ، وإقرار المسيح بذلك بزعمهم ، وأن آياته التي يذكرون إنما كانت خفية وفي السر بحضرة النزر القليل الذين اتبعوه ، ومثل هذا لا يقوم حجّة على المخالف ، أو تحقيق الكذب على المسيح في أنه يخبر أنهم لا يرون آية وهو يريهم الآيات ، لا بد من إحداهما.
والفصل الثاني وهو الطامة الكبرى ، حكايتهم عن المسيح أنه قال عنه نفسه : كما بقي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام بلياليها ، كذلك يبقى هو في جوف الأرض ثلاثة أيام بلياليها ، وهذه كذبة شنيعة لا حيلة فيها ، لأنهم مجمعون في جميع أناجيلهم أنه دفن قرب مغيب الشمس من يوم الجمعة في دخول ليلة السبت ، وقام من القبر قبل الفجر من ليلة الأحد ، فلم يبق في جوف الأرض إلا ليلة وبعض أخرى ، ويوما ويسيرا