وإلّا فقد كذب «يوحنا» اللعين قائل هذا الكفر ، وأهل للكذب هو. وهذا ما لا انفكاك منه.
وهذا يلزم الأشعرية الذين يقولون بأن علم الله تعالى وقدرته هما غير الله. تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا.
وممّا يعترض به علينا اليهود والنصارى ومن ذهب إلى إسقاط الكواف (١) من سائر الملحدين : أن قال قائلهم : قد نقلت اليهود والنصارى أن المسيح عليهالسلام قد صلب وقتل ، وجاء القرآن بأنه صلىاللهعليهوسلم لم يقتل ولم يصلب. فقولوا لنا كيف كان هذا؟
فإن جوّزتم على هذه الكواف العظام المختلفة الأهواء والأديان والأزمان والبلدان والأجناس نقل الباطل ، فليست بذلك أولى من كافتكم التي نقلت أعلام نبيكم وشرائعه وكتابه.
فإن قلتم : اشتبه عليهم ، فلم يتعمدوا نقل الباطل ، فقد جوزّتم التلبيس على الكواف ، فلعل كافتكم أيضا ملتبس عليها. فليس سائر الكواف أولى بذلك من كافتكم.
وقولوا لنا : كيف فرض الإقرار بصلب المسيح عندكم قبل ورود الخبر عليكم ببطلان صلبه وقتله؟ فإن قلتم كان الفرض على الناس الإقرار بصلبه وجب من قولكم الإقرار أن الله تعالى فرض على الناس الإقرار بالباطل ، وأن الله تعالى فرض على الناس تصديق الباطل والتدين به ، وفي هذا ما فيه.
وإن قلتم كان الفرض عليكم الإنكار لصلبه ، فقد أوجبتم أن الله تعالى فرض على الناس تكذيب الكواف ، وفي هذا إبطال قول كافتكم ، بل إبطال جميع الشرائع ، بل إبطال كل خبر كان في العالم عن كل بلد وملك ونبي وفيلسوف وعالم ، ووقعتم ـ وفي هذا ما فيه.
قال «أبو محمد» رضي الله عنه : هذه الإلزامات كلها فاسدة في غاية الحوالة (٢) والاضمحلال بحمد الله تعالى. ونحن مبينون ذلك بالبراهين الضرورية بيانا لا يخفى على من له أدنى فهم بحول الله تعالى وقوته.
فنقول وبالله التوفيق : إن صلب المسيح عليهالسلام لم يقله قط كافّة ، ولا صحّ
__________________
(١) الكوافّ : جمع كافّة ، أي جميع الناس. ولم أجد هذا الجمع في كتب اللغة التي بين يدي. ويريد بقوله : «إسقاط الكوافّ» إسقاط أخبارهم.
(٢) أي الاستحالة.