منهم شهرا كاملا ، على أن يأكلوا اللحم قوتا حتى يشبعوا بلا خبز ، فكيف إذا تأدموا به؟ فأي عجب في إشباعهم باللحم حتى يراجع «موسى» ربه تعالى بإنكار ذلك من قوة ربه عزوجل ، فهل في العالم أحمق ممن كتب هذه الكذبة الشنيعة الباردة السخيفة الممزوجة بالكفر؟ اللهم لك الحمد على تسليمك لنا مما امتحنتهم به.
فإن قالوا : إنّ في كتابكم أن الله تعالى قال لزكريا : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) [سورة مريم : ٧] الآية.
وأن زكريا قال لربه تعالى : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) [سورة مريم : ٩] الآية (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) [سورة مريم : ١٠]. وفي كتابكم أيضا : أن الملك قال لمريم : (أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) [سورة مريم : ١٩ ، ٢٠] قالت : ربّ أنّى يكون لي غلام؟ الآية (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) [سورة مريم : ٢١] الآية.
قلنا : ليس في جواب زكريا ومريم عليهماالسلام اعتراض على بشرى الباري عزوجل لهما ، كما في كتابكم عن موسى عليهالسلام ، ولا في كلام زكريا ومريم عليهماالسلام إنكار على أن يعطيهما ولدين ، وهما عقيم وبكر ، إنما سألا أن يعرفا الوجه الذي منه يكون الولد فقط. لأن «أنّى» في اللغة العربية التي بها نزل القرآن بلا خلاف معناها «من أين». فصح ما قلنا من أنهما سألاه أن يعرفهما الله تعالى من أين يكون لهما الولدان؟ أو من أي جهة؟ أبنكاح زكريا لامرأة أخرى؟ أم نكاح رجل لمريم؟
أم من اختراعه تعالى وقدرته؟. فإنما سأل زكريا الآية ليظهر صدقه عند قومه ، ولئلا يظن أنهما أخذاه وادعياه ، هذا هو ظاهر الآيتين اللتين ذكرنا من القرآن دون تكلف تأويل بنقل لفظ أو زيادة أو حذف ، بخلاف ما حكيتم عن موسى من الكلام الذي لا يحتمل إلا التكذيب فقط.
فصل
معاندة هارون ومريم لموسى عليهمالسلام
وبعد ذلك ذكر قيام «مريم» و «هارون» أخي موسى عليهالسلام معاندين «لموسى» من أجل امرأته الحبشية.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وكيف تكون حبشية؟ وقد قال في أول