الكلام في المكان والاستواء
قال أبو محمد : ذهبت المعتزلة إلى أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان ، واحتجوا بقول الله عزوجل : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) [سورة المجادلة : ٧].
وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [سورة ق : ١٦].
وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) [سورة الواقعة : ٨٥].
قال أبو محمد : قول الله عزوجل يجب حمله على ظاهره ما لم يمنع من حمله على ظاهره نص آخر ، أو إجماع ، أو ضرورة حسّ.
وقد علمنا أن كلّ ما كان في مكانه فإنه شاغل لذلك المكان ، ومالئ له ومتشكل بشكل المكان ، أو المكان متشكل بشكله ، ولا بدّ من أحد الأمرين ضرورة.
وقد علمنا أنّ ما كان في مكان فإنه شاغل لذلك المكان ، ومتناه بتناهي مكانه ، وهو ذو جهات ست أو خمس متناهية في مكانه ، وهذه كلها صفات الجسم ، فلما صحّ ما ذكرنا علمنا أن قوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). و (نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ). و (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) إنما هو التدبير لذلك والإحاطة به فقط ضرورة لانتفاء ما عدا ذلك.
وأيضا : فإن قولهم «في كل مكان» خطأ ، فإنه يلزم بموجب هذا القول أن يملأ الأماكن كلها ، وأن يكون ما في الأماكن فيه ـ الله تعالى عن ذلك ـ وهذا محال.
فإن قالوا : هو فيها بخلاف كون المتمكن في المكان.
قيل لهم : هذا لا يعقل ولا يقوم عليه دليل ، وقد قلنا : إنه لا يجوز إطلاق اسم على غير موضوعه في اللغة ، إلّا أن يأتي به نص فنقف عنده ، وندري حينئذ أنه منقول إلى ذلك المعنى الآخر ، وإلّا فلا ، فإذ قد صحّ ما ذكرنا فلا يجوز أن يطلق القول بأن الله تعالى في مكان لا على تأويل ولا على غيره ، لأنه حكم بأنه تعالى في الأمكنة ، لكن يطلق القول بأنه تعالى معنا في كلّ مكان ، ويكون حينئذ قولنا في كلّ مكان إنّما