الكلام في التوحيد ونفي التشبيه
قال أبو محمد : ذهبت طائفة إلى القول بأنّ الله تعالى جسم ، وحجتهم في ذلك أنه لا يقوم في المعقول إلا جسم أو عرض ، فلما بطل أن يكون تعالى عرضا ثبت أنه جسم ، وقالوا : إن الفعل لا يصح إلّا من جسم والباري تعالى فاعل فوجب أنه جسم ، واحتجّوا بآيات من القرآن فيها ذكر اليدين واليد والأيدي والعين والأعين والوجه والجنب ، وبقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) (١) و (يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) [البقرة : ٢١٠] و (تَجَلَّى رَبُّهُ) (٢) وبأحاديث للجبل فيها ذكر القدم ، واليمين والرجل والأصابع والتنزل.
قال أبو محمد : ولجميع هذه النصوص وجوه ظاهرة ، خارجة على خلاف ما ظنوه وتأوّلوه.
قال أبو محمد : وهذان استدلالان فاسدان.
أمّا قولهم : إنه لا يقوم في المعقول إلّا جسم أو عرض ، فإنها قسمة ناقصة وأما الصّواب : أنه لا يوجد في العالم إلّا جسم أو عرض وكلاهما يقتضي بطبيعة وجوده وجوب محدث له ، فبالضرورة نعلم أنه لو كان محدثهما جسما أو عرضا لكان يقتضي فاعلا فعله ولا بدّ. فوجب بالضرورة أنّ فاعل الجسم والعرض ليس جسما ولا عرضا. وهذا برهان يضطر إليه كل ذي حسّ بضرورة العقل ولا بدّ.
وأيضا فلو كان الباري ـ تعالى عن إلحادهم ـ جسما لاقتضى ذلك ضرورة أن يكون له زمان ومكان هما غيره!! وهذا إبطال التوحيد وإيجاب الشرك معه تعالى لشيئين سواه ، وإيجاب أشياء معه غير مخلوقة ، وهذا كفر ، وقد تقدّم إفسادنا لهذا القول.
وأيضا فإنه لا يعقل البتة جسم إلّا مؤلف طويل عريض عميق ، ونظّارهم لا يقولون
__________________
(١) (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) ـ الآية ٢٢ من سورة الفجر.
(٢) (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) الآية ١٤٣ من سورة الأعراف.