وموسى قبله «وإلياس» وسائر الأنبياء عليهمالسلام قد أتوا بمثل ما أتى به من إحياء الموتى وغيره ، فأي فرق بينه وبينهم؟
على أنه ليس في شيء من الإنجيل نص الأمانة التي لا يصح الإيمان عندهم إلّا بها من ذكر أب وابن وروح القدس معا وسائر ما فيها. وإنما هي تقليد لأسلافهم من الأساقفة ، ونعوذ بالله من الخذلان.
وأمانتهم التي ذكروا أنهم متفقون عليها موجبة أن الابن هو الذي نزل من السماء وتجسّد من روح القدس ، وصار إنسانا ، وقتل وصلب ، فيقال لهم : هذا الابن الذي في أمانتكم أنه نزل من السماء وتجسّد من روح القدس ، وصار إنسانا ، أخبرونا قبل أن ينزل من السماء أمخلوقا كان أو غير مخلوق أم كان لم يزل؟ فإن قالوا : كان مخلوقا. فقد تركوا قولهم ، لا سيما إن قالوا : إنه ليس هو غير الأب بل يصير الأب وروح القدس مخلوقين.
وإن قالوا : كان قبل أن ينزل غير مخلوق. قيل لهم : فقد صار مخلوقا إنسانا. وهذا محال وتناقض.
وأيضا فقد لزم من هذا أن الابن مخلوق ، وروح القدس مخلوق ، إذ صار إنسانا ، ثم يقال لهم : أخبرونا عن هذا الابن الذي أخبرتم عنه بما لم تخبروا عن الأب ، والذي يقعد عندكم عن يمين أبيه ، ثم ينزل لفصل القضاء أله علم وحياة أم لا علم له ولا حياة؟
فإن قالوا : لا علم له ولا حياة ، فارقوا إجماعهم ، ولزمهم ضرورة أن قالوا مع ذلك إنه غير الأب الذي له حياة وعلم ، إذ ما لا علم له هو بلا شك غير الذي له علم ، والذي لا حياة له هو بلا شك غير الذي له حياة. وهذا ترك منهم للنصرانية.
وإن قالوا : بل له علم وحياة لزمهم أن الأزليين خمسة : الأب وعلمه وحياته ، والابن الذي هو علم الأب وعلمه وحياته ، وهكذا يسألون أيضا عن روح القدس ، ولا فرق.
وقد قال «يوحنا» في أول إنجيله : فمن تقبله منهم وآمن به أعطاهم سلطانا أن يكونوا أولاد الله ، أولئك المؤمنون باسمه الذين لم يتوالدوا من دم ولا شهوة اللحم ، ولا باه رجل ، ولكن توالدوا من الله.
فصح بهذا أن كلّ نصراني من ولادة والأزلية والكون من جوهر الأب كالذي للمسيح سواء بسواء ولا فرق.