الكلمة هي الله والتحمت. فإذا كانت هي الله ، والكلمة التحمت في مشيمة مريم فالله تعالى هو نفسه التحم في مشيمة مريم فعلى هذا فالأب والابن والكلمة كلهم التحموا في مشيمة مريم ، وفي أمانتهم : أن الابن هو الذي التحم في مشيمة مريم.
وهذه وساوس لا نظير لها.
ويقال لهم أيضا : هل معنى التحم إلّا صار لحما؟ وهذا غير قول النسطورية والملكية.
وإن قالوا : بل الأب ، فقد بطل أن يكون هو الابن ، وخالفوا «يوحنا» والأمانة.
وإن قالوا : هو الأب وهو الابن. تركوا قولهم : إن الابن يقعد عن يمين أبيه ، وأن الأب يعلم وقت القيامة ، والابن لا يعلمها ، وقولهم في إنجيل «يوحنا» : الأب فوّض الأمر إلى ابنه ، والأب أكبر من الابن ، فهذه نصوص على أن الابن غير الأب ، إذ لا يقعد المرء عن يمين نفسه ، ولا يفوض الأمر إلى نفسه ، ولا يجهل ما يعلم ، وهذا كله يبطل قولهم : إن الابن هو العلم والقدرة أو غير ذلك ، لأن هذه الصفات لا تقعد عن يمين حامله ، ولا يفوّض إليها شيء.
وإن قالوا : لا هو هو ، ولا هو غيره ، دخل عليهم من الجنون ما يدخل على من ادّعى أن الصفات لا هي الموصوف ولا هي غيره.
وإن قالوا : الأب هو الابن وهو غيره ـ لم يكن ذلك ببدع من سخافاتهم وخروجهم عن المعقول ، ولزمهم أن الابن ابن لنفسه ، وأب لنفسه ، وأن الأب أب لنفسه وابن لنفسه ، وليس في الحمق والهوس أكثر من هذا. ولا متعلق لهم بشيء مما في «الزبور» وفي كتاب «شعياء» وغيره ، لأنه ليس في شيء منها أن المراد بما ذكر هنالك هو عيسى ابن مريم عليهماالسلام.
وقد قال «لوقا» في آخر إنجيله : «إنه كان نبيّا مقتدرا عبد الله». وهذا كله بيّن عظيم مناقضتهم ، وما توفيقنا إلا بالله عزوجل.
فإن تعلقوا بما في الإنجيل من ذكر المسيح أنه ابن الله ، قيل لهم : في الإنجيل أيضا : أبي وأبيكم الله ، «إلهي وإلهكم». وأمرهم إذا دعوا أن يقولوا : يا أبانا السماوي ، فله من ذلك كالذي لهم ولا فرق.
فإن قالوا : إنه أتى بالعجائب. قيل لهم : والحواريون أيضا عندكم أتوا بالعجائب ،