التمام والكمال لا يقعان البتة إلا فيما فيه النقص ، لأن معناهما إنما هو إضافة شيء إلى شيء به كملت صفاته ، ولولاه لكان ناقصا. ولا معنى للكمال والتمام إلّا هذا فقط.
والوجه الثاني : أن كل عدد بعد الثلاثة فهو أتم من الثلاثة ، لأنه يجمع إما زوجا وفردا وإمّا زوجا وزوجا ، وإمّا زوجا وزوجا وفردا ، وإمّا أكثر من ذلك.
وبالضرورة يعلم أن ما جمع أكثر من زوج فهو أتم وأكمل مما لم يجمع إلا زوجا وفردا فقط ، فيلزمه أن يقول : إن ربّه أعداد لا تتناهى ، أو أنه أكثر الأعداد ، وهذا أيضا ممتنع محال لو قاله ، ويكفي فسادا بقول يؤدي إلى المحال.
والوجه الثالث : أن هذا الاستدلال مضاد لقولهم : إن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة ، لأن الثلاثة التي تجمع الزوج والفرد هي غير الثلاثة التي هي عندكم واحد بلا شك ، لأن الثلاثة التي تجمع الزوج والفرد ليست الفرد الذي هو فيها ، وهي جامعة له ولغيره ، بل ذلك الفرد بعض لها ، وهي كل له ولغيره والباري تعالى لا كل له ولا بعض ، والكل ليس هو الجزء ، والجزء ليس هو الكل ، والفرد جزء للثلاثة والثلاثة كل للفرد وللزوج معه ، فالفرد غير الثلاثة ، والثلاثة غير الفرد ، والعدد مركب من واحد يراد به الفرد ، وواحد كذلك ، وواحد كذلك إلى نهاية العدد المنطوق به ، فالعدد ليس الواحد ، والواحد ليس هو العدد ، لكن العدد مركب من الآحاد التي هي الأفراد ، وهكذا كل مركب من أجزاء ، فذلك المركب ليس هو جزء من أجزائه ، كالكلام الذي هو مركب من حرف وحرف حتى يقوم المعنى المعبر عنه ، فالكلام ليس هو الحرف ، والحرف ليس هو الكلام.
والوجه الرابع : أنّ هذا المعنى السخيف الذي قصده هذا الجاهل نجده في الاثنين ، لأن الاثنين عدد يجمع فردا وفردا ، وهو زوج مع ذلك ، فقد وجدنا في الاثنين الزوج والفرد ، فيلزمه أن يجعل ربه اثنين.
والوجه الخامس : أن كلّ عدد فهو محدث ، وكذلك كل معدود يقع عليه عدد فهو أيضا محدث ، على ما قد بينا فيما خلا من كتابنا هذا.
والمعدود لم يوجد قط إلا ذا عدد ، والعدد لا يوجد قط إلّا ذا معدود ، والواحد ليس عددا على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى ، وبه يتم الكلام في التوحيد بحول الله وقوته.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وهم يقولون : إن الإله اتحد مع الإنسان بمعنى أنهما صارا شيئا واحدا.