فقالت اليعقوبية : كاتحاد الماء يلقى في الخمر فيصيران شيئا واحدا.
وقالت النسطورية : كاتحاد الماء يلقى في الزيت فكل واحد منهما باق بحسبه (١).
وقالت الملكية : كاتحاد النار في الصفيحة المحماة (٢).
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وكل هذا في غاية الفساد.
أول ذلك : أنها دعاوى لا يعجز عن مثلها متحامق ، وليس في إنجيلهم شيء من هذه الأقسام.
والثاني : أنها كلها محال ، لأن قول الملكية في تمثيلهم بما مثلوا إنما هو عرض في جوهر لا يجوز ولا يمكن إلا من عرض في جوهر ولا يتوهم غير ذلك ، فالإله على قولهم عرض والإنسان جوهر وهذا في غاية الفساد.
وقول اليعقوبية أفسد ، لأننا نقول لهم إن كان استحال الإله إنسانا ، فالمسيح إنسان وليس إلها ، وإن كان الإنسان استحال إلها ، فالمسيح إله وليس بإنسان ، وإن كان كلاهما لم يستحل واحد منهما إلى الآخر فهذا قول النسطورية لا قولهم. وإن كان كل واحد منهما استحال إلى الآخر فقد صار الإله إنسانا لا إلها ، وصار الإنسان إلها لا إنسانا ، وحصلوا بعد هذا الحمق على قول النسطورية ولا مزيد. وإن كان استحالا إلى غير الإنسان والإله ، فالمسيح لا إله ولا إنسان ، وكل هذا خلاف قولهم.
وأما قول النسطورية ، فلم يزيدوا على أن قالوا : إن الإنسان إنسان ، والإله إله. وهكذا كل فاضل وفاسق في العالم هو إنسان والإله إله ، فالمسيح وغيره من الناس سواء.
وأيضا فإنّ ما قالوا محال ، لأن الباري عزوجل الذي لم يزل لا يستحيل إلى طبيعة الإنسان المحدث ، ولا يستحيل المحدث إلها لم يزل ، وهذا محال بذاته لا يتشكل وكذلك الإنسان : لا يجاوز الإله مجاوزة مكانية ، لأنه محال أيضا ، وكذا لا يتوهم ولا يمكن أن يكون الإله عرضا يحمله جوهر الإنسان.
ولا يمكن أيضا أن يكون الإنسان عرضا يحمله الإله في ذاته كما تدّعي الملكية من تشبيه ذلك الاتحاد بضوء الشمس في البيت ، وبالنار في الحديدة المحماة ، فقد
__________________
(١) لأن الماء والزيت لا يمتزجان.
(٢) وهذا أشدّ أنواع الاتحاد ، فهو أكثر من الامتزاج.