أنه لا داخل ولا خارج ، وأنتم لم يصح لكم برهان على وجود الخلاء والزمان الذي تدّعونه ، فصار كلامكم كله دعوى. وبالله التوفيق.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : ولم نجد لهم سؤالا أصلا ، ولا أتونا قط بدليل فنورده عنهم ، ولا وجدنا لهم شيئا يمكن الشغب به في أزلية الخلاء والمدة فنورده عنهم ، وإن لم يتنبهوا له ، وإنما هو رأي قلدوا فيه بعض قدماء الملحدين فقط. وبالله التوفيق.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : ومما يبطل به الخلاء الذي سموه مكانا مطلقا ، وذكروا أنه لا يتناهى ، وأنه مكان لا متمكن فيه ، وأنه برهان ضروري لا انفكاك منه ـ وأطرف شيء أنه برهانهم الذي موّهوا به وشغبوا بإيراده ، وأرادوا به إثبات الخلاء ـ وهو أننا نرى الأرض والماء والأجسام الترابية من الصخور والزئبق ونحو ذلك طباعها السفل أبدا ، وطلب الوسط والمركز ، وأنها لا تفارق هذا الطبع فتصعد إلّا بقسر (١) يغلبها ويدخل عليها كرفعنا الماء والحجر قهرا ، فإذا رفعناهما ارتفعا ، فإذا تركناهما عادا إلى طبعهما بالرسوب ، ونجد النار والهواء طبعهما الصعود والبعد عن المركز والوسط ، ولا يفارقان هذا الطبع إلا بحركة قسر تدخل عليهما. ويرى ذلك عيانا كالزقّ (٢) المنفوخ ، والإناء المجوف المصوب في الماء ، فإذا زالت تلك الحركة القسرية رجعا إلى طبعهما ، ثم نجد الإناء المسمى سارقة الماء يبقى الماء فيها صعدا ولا يسفل. ونجد الزرّاقة (٣) ترفع التراب والزئبق والماء ، ونجد إذا حفرنا بئرا امتلأ هواء وسفل الهواء حينئذ. ونجد المحجمة (٤) تمص الجسم الأرضي إلى نفسها.
فليس كل هذا إلّا لأحد وجهين لا ثالث لهما ، إمّا عدم الخلاء جملة كما نقول نحن وإمّا لأن طبع الخلاء يجتذب هذه الأجسام إلى نفسه كما يقول من يثبت الخلاء.
__________________
(١) القسر : الغلبة والإجبار.
(٢) الزّقّ : وعاء من جلد يجزّ شعره ولا ينتف ، للشراب وغيره (المعجم الوسيط : ص ٣٩٦).
(٣) الزرّاقة : أنبوبة من الزجاج ونحوه أحد طرفيها واسع والآخر ضيّق في جوفها عود يجذب السائل ثم يدفعه (المعجم الوسيط : ص ٣٩٣).
(٤) المحجمة : هي أداة الحجم ، والحجم والحجامة : امتصاص الدم بالمحجم (المرجع السابق : ص ١٥٨).