وكذلك المكان الذي يدّعونه واقع مع المكان الذي نعرفه نحن وهم تحت جنس «أين».
وبالضرورة يجب أن ما لزم بعض ما تحت الجنس مما يوجبه له الجنس ـ فإنه لازم لكل ما تحت ذلك الجنس ، وإذ لا شك في هذا فهما مركبان ، والنهاية فيهما موجودة ضرورة إذ المقولات كلها كذلك.
وأيضا فإن المكان لا بدّ له من مدّة يوجد فيها ضرورة ، فنسألهم : هل تلك المدة هي الزمان الذي يدّعونه أم هي غيره؟
فإن كانت هي هو ، فهو زمان للمكان فهو محمول في المكان ، فهو ككل زمان لذي الزمان فلا فرق.
وإن كانت غيره ، فها هنا إذن زمن ثالث غير مدة ذلك المكان ، وغير الزمان الذي ندريه نحن وهم ، وهذه وساوس لا يعجز عن ادّعائها كل من لم يبال بما يقول ولا استحيا من فضيحة.
ويقال لهم : إذ ليس المكان الذي تدّعونه والزمان الذي تدّعونه واقعين مع المكان المعهود والزمان المعهود تحت جنس وحدّ واحد ... فلم سميتموه مكانا وزمانا؟ وهلّا سميتموهما باسمين مفردين لهما ليبعدا بذلك عن الإشكال والتلبيس والسفسطة بالتخليط بالأسماء المشتركة؟! فإن كانا مع الزمان والمكان المعهودين تحت جنس واحد ، فقد بطلت دعواكم زمانا ومكانا غير الزمان والمكان المعهودين بالضرورة. وبالله تعالى التوفيق.
ويسألون أيضا عن هذا الزمان والمكان غير المعهودين : أهما داخل الفلك أم خارجه؟ أم لا داخل ولا خارج؟
فإن قالوا : هما داخل الفلك فالخلاء إذا هو الملاء ، والمكان إذا في المتمكن يعني في داخله. وهذا محال ، والزمان إذن هو الذي لا يعرف غيره.
وإن قالوا : هما خارج الفلك ، أوجبوا لهما نهاية ابتداء مما هو خارج الفلك.
وإن قالوا : لا خارج ولا داخل ، فهذه دعوى مفتقرة إلى برهان ، ولا برهان على صحتها فهي باطل.
فإن قالوا : أنتم تقولون هذا في الباري تعالى؟ قلنا لهم : نعم ، لأن البرهان قد قام على وجوده ، فلما صحّ وجوده تعالى قام البرهان بوجوب خلافه لكل ما في العالم على