فإن أرادوا إلزامنا في الباري تعالى مثل ما ألزمناهم في هذا السؤال ، فقالوا : أيما أكثر : الباري تعالى وحده أم الباري وخلقه معا؟
قلنا : هذا سؤال فاسد بالبرهان الضروري ، لأن هذا البرهان إنما هو على وجوب حدوث الزمان ، وما لم ينفك من الزمان ، وعلى حدوث النوامي كلها فقط. والباري تعالى لا زمان له ولا هو من النوامي.
وأيضا فإن الباري تعالى ليس عددا ، ولا بعض عدد ، ولا هو أيضا معدود ولا بعض المعدود ، لأن واحدا ليس عددا بالبرهان الذي نورده في الباب الذي يتلو هذا الباب إن شاء الله تعالى.
ولا واحد على الحقيقة إلّا الله عزوجل فقط. فهو الذي لا يتكثر البتة ولا ينضاف إلى سواه ، إذ لا يجمعه مع شيء سواه عدد ولا صفة البتة ، لأن كل ما وقع عليه اسم واحد مما دونه تعالى ، فإنما هو مجاز لا حقيقة. لأنه إذا قسّم استبان أنه كان كثيرا لا واحدا. فلذلك وقع العدد على الأجرام والأعداد المسماة آحادا في العالم. وأما الواحد في الحقيقة فهو الذي ليس كثيرا أصلا ، ولا يتكثر بوجه من الوجوه فلا يقع عليه عدد بوجه من الوجوه ، لأنه يكون حينئذ واحدا لا واحدا كثيرا وهذا تخليط ومحال وممتنع لا سبيل إليه.
فلا يجوز أن يضاف الواحد الأول إلى شيء مما دونه لا في عدد ، ولا كمية ، ولا في جنس ، ولا في صفة ، ولا في معنى من المعاني أصلا.
وبالله تعالى التوفيق.
فإن ذكر ذاكر قول الله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) [سورة المجادلة : ٧].
فمعنى قوله تعالى : «هو رابعهم ، وهو سادسهم» ، إنما هو فعل فعله فيهم وهو أنه ربّعهم بإحاطته بهم لا بذاته ، وسدّسهم بإحاطته بهم لا بذاته ، أو قد يربّعهم بملك يشرف عليهم ، ويسدّسهم كذلك.
وبرهان هذا القول : أن الله تبارك وتعالى إنما عنى بهذه الآية ـ بلا خلاف بل بضرورة العقل من كل سامع ـ أنه لا تخفى عليه نجواهم ، وهذا نص الآية لأنه تعالى افتتحها بذكر نجوى المتناجين ، إنما أراد عزوجل علمه بنجواهم لا أنه معدود معهم بذاته إلى ذواتهم. حاشا لله من ذلك. إذ من المحال الممتنع الخارج عن رتبة الأعداد