وفي الباب الحادي عشر من إنجيل مارقس : سيقوم مسيحون كذابون ، وأنبياء كذابون ، ويأتون بالآيات والبدائع ليخدعوا إن أمكن أيضا المختارين.
قال أبو محمد : هذا الفصل مع الفصل الأخير الذي في توراة اليهود في السفر الخامس الذي نصه : «إن طلع فيكم نبي ، أو ادّعى أنه رأى رؤيا وأتاكم بخبر ما يكون ، وكان ما وصفهن ، ثم قال لهم بعد ذلك : اتبعوا آلهة الأجناس ، فلا تصغوا له».
مع الفصل الذي فيه من التوراة : أنّ السحرة عملوا مثل عمل موسى عليهالسلام في قلب العصا حية ، وإحالة الماء دما ، والمجيء بالضفادع ـ كافية في إبطال كل ما أتى به موسى والمسيح عليهماالسلام ، وكل نبي يقرون بنبوته ، لأنه إذا جاز أن يأتي نبي كاذب بمعجزات ، وأمكن أن يكذب النبي الصادق فيما ينذر به ، وأمكن أن يعمل السحرة مثل شيء من آيات نبي ، فقد امتزج الحق بالباطل ولم يكن له إلى تمييز أحدهما من الآخر طريق أصلا ، وهذا إفساد الحقائق ، وإبطال موجب الحق ، وتكذيب الحواس. وإذا أمكن عند اليهود والنصارى ما ذكرناه مما في توراتهم وأناجيلهم ، فما الذي يؤمنهم أن موسى والمسيح عليهماالسلام وسائر أنبيائهم ، إنما كانوا سحرة ، أو كذابين ..؟ شهدنا بالله شهادة حق أن هذه الفصول المذكورة من عمل برهمي مكذب بالنبوة جملة ، أو مناني مكذب بنبوة الأنبياء المذكورين عليهمالسلام ، وأن موسى وعيسى عليهماالسلام لم يقولا قط شيئا مما في هذه الفصول الخبيثة الملعونة.
وأما نحن فلا نجيز البتة أن يكذب نبي ، ولا أن يأتي غير نبي بمعجزة ساحرة ولا كذاب ولا صالح الصناعة.
فإن قيل : إنكم تقولون : إن الدّجال يأتي بالمعجزات.
قلنا : حاشا لله من هذا ، وما الدّجال إلا صاحب عجائب ، كأبي العجب الشعبذ ولا فرق إنما هو متحيل يتحيل بحيل معروفة ، كل من عرفها عمل مثل عمله ، وقد صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أن المغيرة بن شعبة سأله : هل مع الدّجال نهر ماء وخبز ونحو ذلك؟
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هو أهون على الله من ذلك (١).
وصح أيضا عنه عليهالسلام : أن الدّجال صاحب شبه (٢). وبالله تعالى التوفيق.
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) روى البخاري في الفتن باب ٢٧ (حديث ٧١٢٨) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف ـ أو يهراق ـ رأسه ماء ، قلت : من