هذا الذي تفعلان؟ فقولا له : إن السيّد يحتاج إليه فيخليه لكما ، فانطلقا ووجدا الفلو مربوطا قبالة رحبة الباب في رفاقين (١) فحلّاه. فقالوا لهما بعض الوقوف هنالك : ما لكما تحلّان الفلو؟ فقالا له كالذي أمرهما يسوع فتركوه لهما ، وساقا الفلو إلى يسوع ، ليحملوا عليه ثيابهم وركب من فوق.
قال أبو محمد : فهاتان قضيتان كل واحدة منهما تكذب الأخرى ، متّى يقول ركب حمارة ، ومارقش يقول ركب فلوا ، والعجب كله من استشهادهم لذلك بقول النبي : «يأتيك ملكك راكبا على حمارة وابن أتان» ، وما كان المسيح قط ملك برشلام فهذه كذبة أخرى.
وأطرف شيء استشهادهم لصحة أمره بركوبه حمارة ، أتراه لم يدخل «برشلام» إنسان على حمارة سواه؟!!
هذه بالله ضحكة من مضاحك السخفاء. ولقد أخبرني الحسن بن بقي صاحبنا نوّر الله وجهه : أنه وقف عالم من علمائهم على هذا الفصل ، قال : فقال : إنما هذا رمز والحمارة : هي التوراة ، فأضحكني قوله ، وقلت له : فالإنجيل هو : الفلو. وقال : فسكت وعلم أنه أتى بما يوجب السخرية به.
فصل
وفي الباب الثالث عشر من إنجيل متّى : أن يسوع قال لهم : إذا قام الناس لا يتزوجون ، ولا يتناكحون ، لكنهم يكونون كأمثال ملائكة الله تعالى في السماء.
وفي الباب السادس عشر من إنجيل متّى ، وأيضا في الباب الثاني عشر من إنجيل مارقش ، أن المسيح قال لتلاميذه ليلة أخذه : لا شربت بعدها من نشل الزرجون حتى أشربها معكم جديدة في ملكوت الله تعالى.
وفي الباب الرابع عشر من إنجيل لوقا : أن المسيح قال للحواريين الاثني عشر : أنتم الذين صبرتم معي في جميع مصائبي ، فأنا ألخص لكم الوصية على حال ما لخص لي أبي ، لتطعموا وتشربوا على مائدتي في الملك ، وتجلسوا على عروش حاكمين على اثني عشر سبطا من ولد إسرائيل.
قال أبو محمد : ففي الفصل الأول أن الناس في الآخرة لا يتناكحون ، وفي
__________________
(١) الرّفاق : جبل يشدّ به عضد البعير إذا خيف أن يهرب (المعجم الوسيط : ص ٣٦٢).