ولديها فخشعا ، ورغبت إليه فقال لها : ما تريدين؟ فقالت : أحبّ أن تقعد ابنيّ هذين أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك في ملكك.
فقال يسوع : تجهلين السؤال. أيصبران على شرب الكأس الذي أشرب؟
فقالا : نصبر. فقال لهما : ستشربان بكأسي وليس إليّ مجلسكما عن يميني وشمالي ، إلّا من وهب له ذلك أبي.
قال أبو محمد : ففي هذا الفصل بيان أنه ليس إليه من الأمر شيء ، وأنه غير الأب كما يقولون ، بخلاف دينهم ، فإذا هو غير الأب وكلاهما إله ، فهما إلهان اثنان متغايران ، أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، لأنه بإقراره ليس له قدرة على تقريب أحد إلّا من وهب له ذلك الذي يسمونه أبا ، وليت شعري كيف يجتمع ما ينسبون إليه هاهنا من الاعتراف بأنه ليس بيده أن يجلس أحدا عن يمينه ولا عن شماله ..؟ وإنما هو بيد الله تعالى مع ما ينسبون إليه من أنه قدر على إعطاء مفاتيح السماوات والأرض لأنذل من وجد وهو «باطرة» ، وأنه يفعل كما يفعله الأب ، وأن الله تعالى قد تبرأ إليه من الحكم ، وأن الله عزوجل ليس يحكم بعد على أحد ، وسائر تلك الفضائح المهلكة مع تكاذبها وتدافعها وشهادتها بأنها ليست من عند الله تعالى ، ولا من عند نبي أصلا ، لكن توليد كاذب كافر وبالله تعالى نعوذ.
فصل
وفي الباب الحادي عشر من إنجيل متّى : فلما تدانى المسيح من «برشلام» وكان في موضع يقال له «تتفيا» جوار جبل الزيتون بعث رجلين من تلاميذه ، وقال لهما : اذهبا إلى الحصن الذي يقابلكما ، وستجدان فيه حمارة مربوطة بفلوها (١) فحلّا عنهما ، وأقبلا إليّ بهما ، فإن تعرضكما أحد فقولا : إن السيّد يريدها فيدعكما من وقته ، وكان ذلك ليتم به قول النبي القائل لابن صهيون : سيأتيك ملكك متواضعا على حمارة وابن أتان. فتوجه التلميذان وفعلا كما أمرهما به ، وأقبلا بالحمارة وفلوها ، وألقوا ثيابهم عليها ، وأجلسوه من فوقها.
وفي الباب التاسع من إنجيل مارقش : فلما بلغ المسيح «تتفيا» إلى جبل الزيتون ، أرسل اثنين من تلاميذه وقال : اذهبا إلى الحصن الذي بحيالكما ، فإذا دخلتما ستجدان فلوا مربوطا لم يركبه بعد أحد من الآدميين ، حلّاه وأقبلا به إليّ ، فإن قال لكما أحد ما
__________________
(١) الفلوّ والفلوّ والفلو : الجحش والمهر إذا فطم. انظر لسان العرب (١٥ / ١٦٢ ـ مادة فلا).