قلنا : هذه طامّة أخرى. لئن كان هذا فهم غاشّون للناس غير مريدين لصلاحهم ، بل ساعون في هلاكهم. هيهات ، هذه منزلة ما أعطاها الله تعالى أحدا من خلقه.
صدق الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم إذا أخبر أن ربه تعالى قال : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [سورة المنافقون : ٦].
وأنه أخبرنا عليهالسلام : أنه دعا ألّا يجعل بأسنا بيننا بعده ، فلم يجبه الله تعالى إلى ذلك (١). هذا هو الحق الذي لا نزيد فيه ، والقول الذي صحبه الصدق ، والحمد لله رب العالمين.
لم يفخر بما لم يعط ، ولا أنزل نفسه فوق قدرها صلىاللهعليهوسلم.
فصل
وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم : «إن أساء إليك أخوك فعاقبه وحدك فيما بينك وبينه ، فإن سمع منك فقد ربحته ، وإن لم يسمع منك فخذ إلى نفسك رجلا أو رجلين لكيما تثبت كلّ كلمة بشهادة شاهدين أو ثلاثة ، فإن لم يسمع فأعلم بخبره الجماعة ، فإن لم يسمع للجماعة فليكن عندك بمنزلة المجوسي والمستخرج».
ثم بعده بأسطار يسيرة قال : وعند ذلك تدانى إليه باطرة وقال له : يا سيدي فإن أساء إليّ أخي أتأمرني أن أغفر له سبعا؟ فقال له يسوع : لن أقول لك سبعا ولكن سبعين في سبعة.
قال أبو محمد : هذا ضد قوله في الثالثة : فليكن عندك بمنزلة المجوس والمستخرج ولا سبيل إلى الجمع بينهما.
فصل
وفي الباب الموفي عشرين من إنجيل متّى : أنّ أم ابني شيذاي (٢) أقبلت إليه مع
__________________
(١) عن سعد بن أبي وقاص : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقبل ذات يوم من العالية ، حتى إذا مرّ بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ، ثم انصرف إلينا فقال صلىاللهعليهوسلم : «سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها». رواه مسلم في الفتن (حديث ٢٠) واللفظ له ، والترمذي في الفتن باب ١٤ ، وابن ماجة في الفتن باب ٩ و ٢٢ ، ومالك في القرآن (حديث ٣٥) وأحمد في المسند (٥ / ٢٤٠ ، ٢٤٣ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨).
(٢) هما يعقوب ويحيى أخوه.