فقولوا ما بدا لكم.
قال أبو محمد : وأما أنا فلو سمعت هذا القول ممّن يدّعي النبوّة لما تردّدت في اليقين بأنه كذب ، وو الله ما قالها المسيح قط ، وما اخترع هذا الكذب إلّا أولئك السفلة ، متّى ويوحنا ، وأمثالهم. والعجب كله إقرار متّى في الفصل المذكور كما أوردنا ، أن المسيح قال له ولأصحابه : إنهم إنما عجزوا عن إبراء المجنون لتشككهم ، فشهد عليهم بالشك ، وأنه لو كان لهم إيمان لم يعجزوا عن ذلك.
فلا يخلو المسيح عليهالسلام فيما حكوا عنه من أن يكون كاذبا أو صادقا ، فإن كان كاذبا : فهذه صفة سوء ، والكاذب لا يكون نبيا ، فكيف إلها؟ وإن كان صادقا : فإن الذين أخذوا عنهم دينهم ويسمونهم تلاميذ ، وأنهم فوق الأنبياء ـ كفّار شكّاك. فكيف يأخذون دينهم عن كفّار شكّاك؟
لا مخرج لهم من إحداهما ، ولو لم تكن إلّا هذه في أناجيلهم لكفت في إبطالها ، وإبطال جميع ما هم عليه من دينهم المنتن.
ثم العجب كله ، كيف يشهد عليهم بالشك وهم يحكون أنه قد ولّاهم خطة الإلهية وولّاهم رتبة الربوبية في أنّ كل ما حرّموه في الأرض كان حراما في السماوات ، وكل ما حلّلوه في الأرض كان حلالا في السماوات؟ فكيف يجتمع هذا مع هذا؟
وهل يأتي التناقض من دماغه سالم أو فيه آفة يسيرة؟ بل هذا والله توليد أفّاك كاذب ، واختراع عيّار متلاعب ، ونعوذ بالله من الخذلان.
فصل
وفي قرب آخر الباب الثامن عشر من إنجيل متّى : أن المسيح قال لتلاميذه : «إذا اجتمع اثنان منكم على أمر فليس يسألان شيئا على الأرض إلّا أجابهم إليه أبي السّماوي ، وحيث اجتمع اثنان أو ثلاثة على اسمي فأنا متوسطهم».
قال أبو محمد : هذا الفصل ظريف جدّا ، وكذب لا يمطل ظهوره ، ولا يخلو أن يكون عنى بهذه المخاطبة تلاميذه خاصة ، أو كلّ من آمن به.
وأيّ الأمرين كان فهو كذب ظاهر ، وما يشك أحد في أن تلاميذه سألوه أن يجيبهم من دعوة إلى ما دعوه إليه من دينهم ، وأن يخلّص من فتن من أصحابهم ، فما أعطاهم شيئا من ذلك الذي أسماه أباه السّماوي.
فإن قيل : لم يسألوه قط شيئا من ذلك.