لا يزلّ ولا يخطى ولا ينسى ، الّذين أنزل الله كتابه عليهم ، وأمر الاُمّة بردّ ما اشتبه عليهم من الأحكام إليهم ، وطلبوا الرياسة رغبة في حطام الدنيا ، وركبوا طريق أسلافهم ممّن ادّعى منزلة أولياء الله ، لزمهم العجز ، فادَّعوا أنَّ الرأي والقياس واجب ، فبان لذوي العقول عجزهم وإلحادهم في دين الله ، وذلك أنَّ العقل على مجرّده وانفراده لا يوجب ، ولا يفصل بين أخذ الشيء بغصب ونهب ، وبين أخذه بسرقة وإن كانا مشتبهين ، فالواحد يوجب القطع ، والآخر لا يوجبه.
ويدلّ أيضاً على فساد ما احتجّوا به من ردّ الشيء في الحكم إلى أشباهه ونظائره ، أنّا نجد الزنا من المحصن والبكر سواء ، وأحدهما يوجب الرجم ، والآخر يوجب الجلد ، فعلمنا أنَّ الأحكام مأخذها من السمع والنطق بالنصّ على حسب ما يرد به التوقيف (٢١) دون اعتبار النظائر ( والأعيان ) (٢٢) ، وهذه دلالة واضحة على فساد قولهم ، ولو كان الحكم في الدّين بالقياس لكان باطن القدمين أولى بالمسح من ظاهرهما ، قال الله تعالى حكاية عن إبليس في قوله بالقياس : ( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) (٢٣) فذمّه الله لما لم يدر ما بينهما ، وقد ذمَّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) والأئمّة ( عليهم السلام ) القياس ، يرث ذلك بعضهم عن بعض ، ويرويه عنهم أولياؤهم.
قال : وأمّا الردّ على من قال بالاجتهاد ، فإنّهم يزعمون أنَّ كلّ مجتهد مصيب ، على أنّهم لا يقولون : إنهم مع اجتهادهم أصابوا معنى حقيقة الحقّ عند الله عزَّ وجلَّ ، لأنّهم في حال اجتهادهم ينتقلون عن (٢٤) اجتهاد إلى اجتهاد ، واحتجاجهم أنّ الحكم به قاطع قول باطل ، منقطع ، منتقض ، فأيّ دليل أدلّ من هذا على ضعف اعتقاد من قال بالاجتهاد والرأي ، إذا كان أمرهم
__________________
(٢١) في المصدر : التوفيق.
(٢٢) ليس في المصدر.
(٢٣) الأعراف ٧ : ١٢ وص ٣٨ : ٧٦.
(٢٤) في المصدر : من.