جميع ما قدمنا ذكره على حقيقة شروطها ، ولا يصحّ إقامة فروضها بالقياس والرأي ، ولا أن تهتدي العقول على انفرادها إلى أنه (١٤) يجب فرض الظهر أربعاً دون خمس أو ثلاث ، ( ولا تفصل ) (١٥) أيضاً بين قبل الزوال وبعده ، ولا تقدم الركوع على السجود ، ( أو ) (١٦) السجود على الركوع ، أو حدّ زنا المحصن والبكر ، ولا بين العقارات ( والمال الناض ) (١٧) في وجوب (١٨) الزكاة ، فلو خلينا بين عقولنا وبين هذه الفرائض لم يصح فعل ذلك كلّه بالعقل على مُجرّده ، ولم نفصّل (١٩) بين القياس الّذي فصّلت الشريعة والنصوص ، إذا كانت الشريعة موجودة عن السمع والنطق الّذي ليس لنا أن نتجاوز حدودها ، ولو جاز ذلك لاستغنينا عن إرسال الرسل إلينا بالأمر والنهي منه تعالى. ولما كانت الاُصول لا تجب على ما هي عليه من بيان فرضها إلاّ بالسمع والنطق ، فكذلك الفروع والحوادث الّتي تنوب وتطرق منه تعالى لم يوجب الحكم فيها بالقياس دون النصّ بالسمع والنطق.
وأمّا احتجاجهم واعتلالهم ( بأنَّ القياس هوالتشبيه والتمثيل ، فإنَّ ) (٢٠) الحكم جائز به ، ورد الحوادث أيضاً إليه ، فذلك محال بيّن. ومقال شنيع ، لأنا نجد أشياء قد وفق الله بين أحكامها وإن كانت متفرِّقة ، ونجد أشياء قد فرَّق الله بين أحكامها وإن كانت مجتمعة ، فدلّنا ذلك من فعل الله تعالى على أن اشتباه الشيئين غير موجب لاشتباه الحكمين ، كما ادّعاه منتحلوا القياس والرأي. وذلك أنّهم لما عجزوا عن إقامة الأحكام على ما أُنزل في كتاب الله تعالى ، وعدلوا عن أخذها ممّن فرض الله سبحانه طاعتهم على عباده ، ممّن
__________________
(١٤) في المصدر : أن.
(١٥) في المصدر : ولا تفصيل.
(١٦) في المصدر : ولا.
(١٧) في المصدر : والملك الناض ، والمال الناض : الدراهم والدنانير. ( الصحاح ـ نضض ـ ٣ : ١١٠٧ ).
(١٨) في المصدر : وجوه.
(١٩) في المصدر : يفصل.
(٢٠) في المصدر : ان القياس والتشبيه والتمثيل وان.