القرآن العربي
مخلوقا من جملة المخلوقات. وأخطئوا في قولهم : إن هذا الصوت المسموع من القارئ هو
الصوت القائم بذات الرب تعالى وأنه غير مخلوق ، وأن تلاوتهم وقراءتهم وألفاظهم
القائمة بهم غير مخلوقة ، فهذا غلو في الإثبات يجمع بين الحق والباطل.
وأما الفريق
الثاني فأصابوا في قولهم : إن أصوات العباد وتلاوتهم وقراءتهم وما قام بهم من
أفعالهم وتلفظهم بالقرآن وكتابتهم له مخلوق ، وأخطئوا في قولهم إن هذا القرآن
العربي الذي بلغه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الله مخلوق ، ولم يكلم به الرب ولا سمع منه ، وأن كلام
الله هو المعنى القائم بنفسه ليس بحرف ولا سور ولا آيات ، ولا له بعض ولا كل وليس
بعربي ولا عبراني ، بل هذه عبارات مخلوقة تدل على ذلك المعنى.
والحرب واقع بين
هذين الفريقين من بعد موت الإمام أحمد إلى الآن ، فإنه لما مات الإمام أحمد قال
طائفة ممن ينسب إليه ، منهم محمد بن داود المصيصي وغيره : ألفاظنا بالقرآن غير
مخلوقة ، حكوا ذلك عن الإمام أحمد فأنكر عليهم صاحب الإمام أحمد وأخص الناس بهم
أبو بكر المروذي ذلك ، وصنف كتابا مشهورا ذكره الخلال في «السنة» ثم نصر هذا القول
أبو عبد الله بن حامد وأبو نصر السجزي وغيرهما ، ثم نصره بعدهم القاضي أبو يعلى
وغيره ثم ابن الزاغوني وهو خطأ على أحمد.
فقابل هؤلاء
الفريق الثاني وقالوا إن نفس هذه الألفاظ مخلوقة لم يتكلم الله بها ولم تسمع منه ،
وإنما كلامه هو المعنى القائم بنفسه ، وقالوا هذا قول أحمد.
والبخاري وأئمة
السنة برآء من هذين القولين ، والثابت المتواتر عن الإمام أحمد هو ما نقله عنه
خواص أصحابه وثقاتهم ، كما بينه صالح وعبد الله المروذي وغيرهم : الإنكار على
الطائفتين جميعا كما ذكره البخاري ، فأحمد والبخاري على خلاف قول الفريقين ، وكان
يقول : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع ، وإن
القرآن الذي يقرأه المسلمون هو كلام الله على الحقيقة ، وحيث تصرف كلام الله فهو
غير مخلوق ،