الرسالة بأجمعها ، وإن كانت مجازا كان الوحي كله مجازا ، وإن كانت من المتشابه كان الوحي كله من المتشابه ، وإن وجب أو ساغ تأويلها على خلاف ظاهرها ساغ تأويل جميع القرآن والسنة على خلاف ظاهره فإن مجيء هذه النصوص في الكتاب وظهور معانيها وتعدد أنواعها واختلاف مراتبها أظهر من كل ظاهر ، وأوضح من كل واضح ، فكم جهد ما يبلغ التأويل والتحريف والحمل على المجاز.
هب أن ذلك يمكن في موضع واثنين وثلاثة وعشرة ، أفيسوغ حمل أكثر من ثلاثة آلاف وأربعة آلاف موضع كلها على المجاز وتأويل الجميع بما يخالف الظاهر؟ ولا تستبعد قولنا أكثر من ثلاث آلاف ، فكل آية وكل حديث إلهي وكل حديث فيه الإخبار عما قال الله تعالى أو يقول ، وكل أثر فيه ذلك ، إذا استقرئت زادت على هذا العدد ، ويكفي أحاديث الشفاعة وأحاديث الرؤية وأحاديث الحساب ، وأحاديث تكليم الله لملائكته وأنبيائه ورسله وأهل الجنة ، وأحاديث تكليم الله لموسى ، وأحاديث تكلمه عند النزول الإلهي ، وأحاديث تكلمه بالوحى ، وأحاديث تكليمه للشهداء ، وأحاديث تكليم كافة عباده يوم القيامة بلا ترجمان ولا واسطة ، وأحاديث تكليمه للشفعاء يوم القيامة حين يأذن لهم في الشفاعة ، إلي غير ذلك ، إذ كل هذا وأمثاله وأضعافه مجاز لا حقيقة له. سبحانك هذا بهتان عظيم. بل نشهدك ونشهد ملائكتك وحملة عرشك وجميع خلقك أن هذا بهتان عظيم. بل نشهدك ونشهد ملائكتك وحملة عرشك وجميع خلقك أنك أحق بهذه الصفة وأولى من كل أحد ، وأن البحر لو أمده من بعده سبعة أبحر ، وكانت أشجار الأرض أقلاما يكتب بها ما تتكلم به ، لنفدت البحار والأقلام ولم تنفد كلماتك ، وأنك لك الخلق والأمر ، فأنت الخالق حقيقة (١).
__________________
(١) واستدل البخاري في كتاب «خلق أفعال العباد» على أن الله يتكلم كيف شاء وأن أصوات العباد مؤلفة حرفا حرفا فيها التطريب والترجيع بحديث أم سلمة ثم ساقه من طريق يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة عن قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم وصلاته فذكر الحديث ، وفيه : «ونعتت قراءته ، فإذا قراءته حرفا حرفا».