العقلية لعين الرائي فيرى الملائكة ويسمع خطابهم ، وكل ذلك من الوهم والخيال لا في الخارج.
فهذا أصل هؤلاء في إثبات كلام الرب وملائكته وأنبيائه ورسله ، والأصل الذي قادهم إلى هذا عدم الإقرار بالرب الذي عرّفت به الرسل ودعت إليه ، وهو القائم بنفسه المباين العالي فوق سماواته فوق عرشه الفعال لما يريد بقدرته ومشيئته ، العالم بجميع المعلومات ، القادر على كل شيء ، فهم أنكروا ذلك كله.
* * *
المذهب الثالث : مذهب الجهمية لصفات الرب تعالى أن كلامه مخلوق ومن بعض مخلوقاته ، فلم يقم بذاته سبحانه ، فاتفقوا على هذا الأصل واختلفوا في فروعه. قال الأشعري في كتاب «المقالات» : اختلفت المعتزلة في كلام الله ، هل هو جسم أو ليس بجسم وفي خلقه على ستة أقاويل (فالفرقة الأولى) منهم يزعمون أن كلام الله جسم ، وأنه مخلوق ، وأنه لا شيء إلا جسم.
والفرقة الثانية : زعموا أن كلام الخلق عرض وهو حركة ، لأنه لا عرض عندهم إلا الحركة وأن كلام الخالق جسم ، وأن ذلك الجسم صوت متقطع مؤلف مسموع ، وهو فعل الله وخلقه وهذا قول أبي الهذيل وأصحابه ، وأحال النظام (١) أن يكون كلام الله في أماكن كثيرة أو مكانين في وقت واحد ، وزعم أنه في المكان الذي خلق فيه.
والفرقة الثالثة : من المعتزلة تزعم أن القرآن مخلوق لله ، وأنه عرض ، وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد إذا تلاه قال فهو يوجد مع تلاوته ، وإذا كتبه وجد مع كتابته ، وإذا حفظه وجد مع حفظه ، وهو يوجد في الأماكن بالتلاوة والحفظ والكتابة ولا يجوز عليه الانتقال والزوال.
__________________
(١) هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار المعروف بالنظام ، وهو ابن أخت أبي الهذيل العلاف ومنه أخذ الاعتزال ، وهو شيخ الجاحظ ، وللمزيد راجع «تلبيس إبليس» بتحقيقنا (ص ٤٣) طبعة المكتب الثقافى بالقاهرة ، و «اجتماع الجيوش» بتحقيقنا طبعة نزار الباز بمكة المكرمة.