أين يلزم من ذلك أن يكون وجه الرب ذو الجلال والإكرام مجازا ، وأن لا يكون له وجه حقيقة؟ لو لا التلبيس والترويح بالباطل.
وإن كان الثاني فالأمر ظاهر ، وإن كان الثالث فلا تنافي بين الأمرين ، فأينما ولي المصلى فهي قبلة الله ، وهو مستقبل وجه ربه ، لأنه واسع ، والعبد إذا قام إلى الصلاة فإنه يستقبل ربه تعالى ، والله مقبل على كل مصل إلى جهة من الجهات المأمور بها بوجهه ، كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلىاللهعليهوسلم مثل قوله «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه ، فإن الله قبل وجهه» وفي لفظ «فإن ربه بينه وبين القبلة» (١).
وقد أخبر أنه حيثما توجه العبد فإنه مستقبل وجه الله ، فإنه قد دل العقل والفطرة وجميع كتب الله السماوية على أن الله تعالى عال على خلقه فوق جميع المخلوقات ، وهو مستو على عرشه ، وعرشه فوق السموات كلها ، فهو سبحانه محيط بالعالم كله ، فأينما ولي العبد فإن الله مستقبله ، بل هذا شأن مخلوقه المحيط بما دونه ، فإن كل خط يخرج من المركز إلى المحيط فإنه يستقبل وجه المحيط ويواجهه ، والمركز يستقبل وجه المحيط ، وإذا كان عالى المخلوقات المحيط يستقبل سافلها المحاط به بوجهه من جميع الجهات والجوانب ، فكيف بشأن من هو بشكل شيء محيط وهو محيط ولا يحاط به ، كيف يمتنع أن يستقبل العبد وجهه تعالى حيث كان وأين كان.
وقوله : (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) إشارة إلى مكان موجود والله تعالى فوق الأمكنة كلها ليس في جوفها ، وإن كانت الآية مجملة محتملة لأمرين لم يصح دعوى المجاز فيها ولا في وجه الله حيث ورد ، فبطلت دعواهم أن وجه الله على المجاز لا على الحقيقة. يوضحه :
الوجه الثالث والعشرون : إنه لو أريد بالوجه في الآية الجهة والقبلة لكان وجه الكلام أن يقال (فأينما تولوا فهو وجه الله) لأنه إذا كان المراد بالوجه الجهة فهي
__________________
(١) رواه البخارى (٤٠٥ ، ٤١٦ ، ٤١٧) ، مسلم (٥٤٧).