فاستوى كما يقال عدلته فاعتدل فهو مطاوع الفعل المتعدي ، وهذا المعنى عام في جميع موارد استعماله في اللغة ، ومنه استوى إلى السطح ، أي ارتفع في اعتدال ، ومنه استوى على ظهر الدابة ، أي اعتدال عليها ، قال تعالى : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) «وأهل رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما استوى على راحلته» فهو يتضمن اعتدالا واستقرارا عند تجرده ويتضمن المقرون مع ذلك معنى العلو والارتفاع ، وهذا حقيقة واحدة تتنوع بتنوع قيودها كما تتنوع دلالة الفعل بحسب مفعولاته وصلاته ، وما يصاحبه من أداة نفي أو استفهام أو نهي أو إغراء فيكون له عند كل أمر من هذه الأمور دلالة خاصة والحقيقة واحدة.
فهذا هو التحقيق لا الترويج والتزويق ، وادعاء خمسة عشر معنى لما ليس له إلا معنى واحد ، وهذا شأن جميع الألفاظ المطلقة إذا قيدت فإنها تتنوع دلالالتها بحسب قيودها ولا يخرجها ذلك من حقائقها (فضرب) مع المثل له معنى وفي الأرض له معنى ، والبحر له معنى والدابة له معنى إذ هو إمساس بإيلام ، فإن صاحبته أداة النفي صار له معنى آخر ، وإن كانت أداة استفهام أو نهى أو تمن أو تخصيص اختلفت دلالته وحقيقته واحدة في كل وضع يقترن به ما بين المراد.
فإذا قال قائل في قوله تعالى : (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ) (النساء : ٣٤) أن الضرب له عدة معان فأيها المراد كان كالنظائر قول هذا القائل إن الرحمن على العرش استوى له خمسة عشر وجها ، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن في الوجه الأول يتبين أن مجموع اللفظ وصلته يدلان علي غير ما دل عليه اللفظ مع الصلة الأخرى ، وفي هذا الوجه يتبين أن مطلق اللفظ يدل علي المعنى المشترك وإن اختصاصه في محاله هو من اقترانه بتلك الصلة ولا منافاة بينهما ، فالتركيب بحدث للمركب حالة أخرى سواء كان المركب من المعانى أو من الألفاظ أو الأعيان أو الصفات مخلقوها ومصنوعها.
فعلى هذا إذا اقترن استوى بحرف الاستعلاء دل على الاعتدال بلفظ الفعل