يعذبوا ؛ فإذا فارقهم في النار وانسلخوا منه زال موجب العذاب ؛ فعمل مقتضى الفطرة عمله ، وأبدلوا ذلك بوجوه ، وهذا أحدها.
الوجه الثاني : أن الله تعالى لم يخلق شيئا يكون شرا محضا من كل وجه ، لا خير فيه بوجه من الوجوه ، فإن هذا ليس في الحكمة بل ذلك لا يكون إلا عدما محضا ، والعدم ليس بشيء والوجود إما خير محض ، وإما أن يكون فيه خير من وجه وشر من وجه ، فأما أن يكون شرا من كل وجه ، فهذا ممتنع ؛ ولكن قد يظهر ما فيه من الشر ويخفي ما في خلقه من الخير. ولهذا قال تعالى للملائكة ؛ وقد سألوا عن خلق هذا القسم فقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (البقرة : ٣٠).
فإذا كانت الملائكة مع قربهم من الله وعلمهم بأسمائه وصفاته وما يجب له ويمتنع عليه لم يعلموا حكمته سبحانه في خلق من يفسد كما يعلمها الله ، بل هو سبحانه متفرد بالعلم الذي لا يعلمونه ، فالبشر أولى بأن لا يعلموا ذلك ، فالخير كله في يدى الرب والشر ليس إليه ، فلا يدخل في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وإن دخل في مفعولاته بالعرض لا بالذات. وبالقصد الثاني لا الأول دخولا إضافيا. وأما الخير فهو داخل في أسمائه وصفاته وأفعاله ومفعولاته بالذات والقصد الأول ، فالشر إنما يضاف له مفعول لا فعله ، وفعله خير محض. وهذا من معانى أسمائه المقدسة ، كالقدوس والسلام والمتكبر ، فالقدوس الّذي تقدس عن كل عيب ، وكذلك السلام ، وكذلك المتكبر ، قال ميمون بن مهران : تكبر عن السوء والسيئات ، فلا يصدر منه إلا الخيرات ، والخيرات كلها منه فهو الذي يأتي بالحسنات ويذهب بالسيئات ، ويصلح الفاسد ولا يفسد الصالح ، بل ما أفسد إلا فاسدا ، وإن كان الظاهر الّذي يبدو للناس صالحا فهو يعلم منه ما لا يعلم عباده.
والمقصود إن هي الإعدام ولوازمها ؛ فالشر ليس إلا الذنوب وموجباتها وسيئات الأعمال وسيئات الجزاء وهى مترتبة على عدم الإيمان والطاعة وموجباتها فإذا أراد