وألمه بلذته ، وسروره بغمه وهمه ، فلو اقتضت الحكمة تخليص نوع الحيوان من ألمه لكان الإنسان الّذي هو خلاصته وأفضله أولى بذلك ، ولو فعل ذلك سبحانه لفاته مصلحة العبرة والدلالة على الآلام العظيمة الدائمة في الدار الآخرة. فإن الله تعالى أشهد عباده بما أعد لهم من أنواع اللذات والآلام في الدار الآخرة بما أذاقهم إياه فى هذه الدار فاستدلوا بالشاهد على الغائب واشتاقوا بما باشروه من اللذات إلى ما وصف لهم هناك منها واحتموا بما ذاقوا من الآلام هاهنا عما وصف لهم منها هناك. ولا ريب أن هذه المصلحة العظيمة أرجح من تفويتها بما فيها من المفسدة اليسيرة.
أما القسم الثالث : فلا ريب أنه مفسدة خالصة أو راجحة فلا تقتضيه حكمة الرب سبحانه ، ولا يكون إيجاده مصلحة فلم يبق إلا القسم الرابع : وهو خلقه على هذه النشأة.
فإن قيل : فقد ظهرت الحكمة في إيلام غير المكلفين ، فتعذيب المكلفين على ذنوبهم كيف تستقيم الحكمة فيه على قولكم بأن الله تعالى خلقها فيهم؟ فأين العدل في تعذيبهم على ما هو فاعله وخالقه فيهم؟ وإنما يستقيم ذلك على قول القدرية وأصولهم ، فإن العدل في ذلك ظاهر ، فإنه إنما يعذبهم على ما أحدثوه وكان بمشيئتهم وقدرته.
قيل : هذا السؤال لم يزل مطرقا بين العالم ، واختلف الناس فيه ، فطائفة أخرجت أفعالهم عن ملك الرب وقدرته. وطائفة أنكرت الحكمة والتعليل وسدت باب السؤال ، وطائفة أثبتت كسبا لا يعقل ، وجعلت الثواب والعقاب عليه ، وطائفة التزمت لأجله وقوع مقدور بين قادرين ، ومفعول بين فاعلين وطائفة التزمت الجبر وأن الله يعذبهم على ما لا يقدرون عليه.
والجواب الصحيح عنه أن يقال : إن ما يبتلى به العبد من الذنوب والوجودية وإن كانت خلقا لله تعالى فهى عقوبة له على ذنوب قبلها ، فالذنب