فإن قيل : بل المعارضة ثابتة بين العقل وبين ما يفهمه ظاهر اللفظ ، وليست ثابتة بين العقل وبين نفس ما أخبر به الرسول صلىاللهعليهوسلم فالمعارضة ثابتة بين العقل وبين ما يظن أنه دليل وليس بدليل ، أو يكون دليلا ظنيا لتطرق الظن إلى بعض مقدمات إسناده أو امتناعا؟
قيل : وهذا رفع صورة المسألة ويجليها بالكلية ، ويصير صورتها هكذا : إذا تعارض الدليل القولي وما ليس بدليل صحيح وجب تقديم العقل ، وهو كلام لا فائدة فيه ولا حاصل له ، وكل عاقل يعلم أن الدليل لا يترك لما ليس بدليل.
ثم يقال : إذا فسرتم الدليل السمعي بما ليس بدليل في نفس الأمر بل اعتقاد دلالته جهل ، أو بما يظن أنه دليل وليس بدليل ، فإن كان السمع في نفس الأمر كذلك لكونه خبرا مكذوبا أو صحيحا. ولكن ليس فيه ما يدل على معارضته العقل بوجه ، وأبيتم التعارض والتقديم بين هذين النوعين فساعدناكم عليه وكنا أسعد بذلك منكم ، فأنا أشد منكم نفيا للأحاديث المكذوبة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأشد إبطالا لما تحمله من المعاني الباطلة ، وإن كان الدليل السمعي صحيحا في نفسه ظاهر الدلالة بنفسه على المراد ، لم يكن ما عارضه من العقليات إلا خياليات فاسدة.
السابع : أن يقال : لو قد عارض العقل للشرع لوجب تقديم الشرع ، لأن العقل قد صدق الشرع ، ومن ضرورة تصديقه له قبول خبره ، والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به ، ولا العلم بصدق الشرع موقوف على كل ما يخبر به العقل. ومعلوم أن هذا المسلك إذا سلك أصح من مسلكهم كما قال بعض أهل الإيمان ، يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه ، وقال آخر : العقل سلطان ولي الرسول ثم عزل نفسه ، ولأن العقل دل على أن الرسول يجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر ، ولأن العقل يدل على صدق الرسول دلالة عامة مطلقة ، ولا يدل على صدق