يَتَّبِعُونَ
إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ
الْهُدى) ، وقال أهل النار (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا
ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) ، فلو كان ما أخبر الله به عن أسمائه وصفاته واليوم الآخر
، وأحوال الأمم وعقوباتهم ، لا تفيد إلا ظنا ، لكان المؤمنون أن يظنون ظنا وما هم
بمستيقنين ، ولكان قوله تعالى : (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُونَ) خبرا غير مطابق ، فإن علمهم بالآخرة إنما استفادوه من
الأدلة اللفظية ، ولا سيما وجمهور المتكلمين يصرحون بأن المعاد إنما علم بالنقل ،
فإذا كان النقل لا يفيد يقينا لم يكن في الأمة من يوقن بالآخرة ، إذا الأدلة العقلية
لا مدخل لها فيها ، وكفى بهذا بطلانا وفسادا.
والله تعالى لم
يكتف من عباده بالظن بل أمرهم بالعلم كقوله (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا
إِلهَ إِلَّا اللهُ) (محمد : ١٩) ،
وقوله : (اعْلَمُوا أَنَّ
اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة : ٩٨)
وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) (البقرة : ٢٢٣)
ونظائر ذلك.
وإنما يجوز اتباع
الظن في بعض المواضع للحاجة ، كحادثة يخفي على المجتهد حكمها ، أو في الأمور
الجزئية كتقويم السلع ونحوه. وأما ما بينه الله في كتابه على لسان رسوله فمن لم
يتيقنه بل ظنه ظنا ، فهو من أهل الوعيد ليس من أهل الإيمان ، فلو كانت الأدلة
اللفظية لا تفيد اليقين لكان ما بينه الله ورسوله بالكتاب والسنة لم يتيقنه أحد من
الأمة.
الثامن
والأربعون : قوله إن العلم
بمدلول الأدلة اللفظية موقوف على نقل اللغة : كلام ظاهر البطلان ، فإن دلالة
القرآن والسنة على معانيها من جنس دلالة لغة كل قوم على ما يعرفونه ويعتادونه من
تلك اللغة ، وهذا لا يختص بالعرب ، بل هو أمر ضروري لجميع بنى آدم ، إنما يتوقف
العلم بمدلول ألفاظهم على كونهم من أهل تلك اللغة التي وقع بينهم بها التخاطب ،
ولهذا لم يرسل الله رسولا إلا بلسان قومه ليبين لهم ، فتقوم عليهم الحجة بما فهموه
من خطابه لهم فدلالة اللفظ هي العلم بقصد المتكلم به.
ويراد بالدلالة
أمران : فعل الدال. وكون اللفظ بحيث يفهم معنى. ولهذا