(السبب الثاني) أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب ، وتنبوا عنها الأسماع ، فيسمى عدم الانبساط إلى الفساق : سوء خلق ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فتنة وشرا وفضولا ، ويسمون إثبات الصفات لكمال الله تعالى تجسيما وتشبيها وتمثيلا ويسمون العرش حيزا وجهة ويسمون الصفات أعراضا ، والأفعال حوادث ، والوجه واليدين أبعاضا ، والحكم والغايات التي يفعل لأجلها أعراضا ، فلما وضعوا لهذه المعاني الصحيحة ، تلك الألفاظ المستكرهة تم لهم تعطيلها ونفيها على ما أرادوا.
فقالوا لضعفاء العقول : اعلموا أن ربكم منزه عن الأعراض ، والأغراض ، والأبعاض ، والجهات والتركيب ، والتجسيم ، والتشبيه ، ولم يشك أحد لله في قلبه وقار وعظمة في تنزيه الرب تعالى عن ذلك. وقد اصطلحوا على تسمية سمعه وبصره وعلمه وقدرته وإرادته وحياته أعراضا. وعلى تسمية وجهه الكريم ويديه المبسوطتين أبعاضا. وعلى تسمية استوائه على عرشه وعلوه على خلقه تحيزا. وعلى تسمية نزوله إلى سماء الدنيا وتكليمه بقدرته ومشيئته إذا شاء ، وغضبه بعد رضاه ، ورضاه بعد غضبه : حوادث. وعلى تسمية الغاية التي يتكلم ويفعل لأجلها : غرضا. واستقر ذلك في قلوب المبلغين عنهم ، فلما صرحوا لهم بنفي ذلك بقى السامع متحيرا أعظم حيرة بين نفي هذه الحقائق التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له جميع رسله وسلف الأمة بعدهم ، وبين إثباتها. وقد قام معه شاهد نفيها بما تلقاه عنهم.
فأهل السنة هم الذين كشفوا زيف هذه الألفاظ وبينوا زخرفها وزغلها ، وأنها ألفاظ مموهة بمنزلة طعام طيب الرائحة في إناء حسن اللون والشكل ، ولكن الطعام مسموم ، فقالوا ما قاله أمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمهالله «لا نزيل عن الله صفة من صفاته لا جل شناعة المشنعين».
ولما أراد المتأولون المعطلون تمام هذا الغرض اخترعوا لأهل السنة ألقابا قبيحة ، وسموهم حشوية ، ومحيزة ؛ ومجسمة ، ومشبهة. ونحو ذلك. فتولد من