ويمينا ، وشمالا ، وأماما ، وخلفا ، وإما سطوح جسم آخر يحيط بالجسم ذي الجهات الست. فأما الجهات التى هى سطوح الجسم نفسه فليست بمكان للجسم نفسه أصلا وأما سطوح الأجسام المحيطة فهي له مكان مثل سطوح الهواء المحيط بالإنسان ، وسطوح الفلك المحيط بسطوح الهواء هي أيضا مكان هواء. وهكذا الأفلاك بعضها محيطة ببعض ومكان له ، وأما سطح الفلك الخارج فقد تبرهن أنه ليس خارجه جسم ، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون خارج ذلك الجسم جسم آخر ، ويمر إلى غير نهاية. فإذن سطح آخر أجسام العالم ليس مكانا أصلا إذ ليس يمكن أن يوجد فيه جسم ، فإذن إن قام البرهان على وجود موجود في هذه الجهة فواجب أن يكون غير جسم. والذي يمنع وجوده هناك هو عكس ما ظنه القوم ، وهو موجود هو جسم لا موجود ليس بجسم.
وليس لهم أن يقولوا : إن خارج العالم خلاء ، وذلك أن الخلاء قد تبين في العلوم النظرية امتناعه ، لأن ما يدل عليه اسم الخلاء ليس هو شيئا أكثر من أبعاد ليس فيها جسم ، أعني طولا وعرضا وعمقا ، لأنه إن رفعت الأبصار عنه عاد عدما. وإن فرضت الخلاء موجودا لزم أن يكون اعراضا موجودة في غير جسم ، وذلك أن الأبعاد هي أعراض في باب الكمية ولا بدّ ، ولكنه قيل في الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة : إن ذلك الموضع ليس بمكان ولا يحويه زمان ، وكذلك إن كان كل ما يحويه المكان والزمان فاسدا فقد يلزم أن يكون ما هنالك غير فاسد ولا كائن. وقد بين هذا المعنى ما أقوله. وذلك أنه لما لم يكن هاهنا شيء إلا هذا الموجود المحسوس أو العدم ، وكان من المعروف بنفسه أن الموجود شيء أنما ينسب إلى الوجود. أعنى أنه يقال : موجودا أي في الوجود ، إذ لا يمكن أن يقال : إنه موجود في العدم ، فإن كان موجود هو أشرف الموجودات فواجب أن ينتسب من الموجود المحسوس إلى الحيز الأشرف وهي السماوات ، ولشرف هذا الحيز قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (غافر : ٥٧) وهذا كله يظهر على التمام للعلماء الراسخين في العلم.