والمصير إلى قول أهل التجوير والجبر.
مع أنّه إذا كان العفو مستحسنا مع الخلف فهو أولى بأن يكون حسنا مع عدم الخلف ، ونحن إذا قلنا : إنّ الله سبحانه يعفو مع الوعيد فإنّما نقول بأنّه توعّد بشرط يخرجه عن الخلف في وعيده ؛ لأنّه حكيم لا يعبث وإذا كان حسن العفو في الشاهد منّا يغمر قبح الخلف حتّى يسقط الذمّ عليه ، وهو لو حصل في موضع لم يجر به إلى العفو أو ما حصل في معناه من الحسن لكان الذمّ عليه قائما ، ويجعل وجود الخلف كعدمه في ارتفاع اللوم عليه ، فهو في إخراج الشرط المشهود عن القبح إلى صفة الحسن ، وإيجاب الحمد والشكر لصاحبه أحرى وأولى من إخراجه الخلف عمّا كان يستحقّ عليه من الذمّ عند حسن العفو وأوضح في باب البرهان ، وهذا بيّن لمن تدبّره.
وشيء آخر وهو أنّا لا نطلق على كلّ تارك الإيعاد الوصف بأنّه مخلف ؛ لأنّه يجوز أن يكون قد شرط في وعيده شرطا أخرجه به عن الخلف ، وإن أطلقنا ذلك في البعض ؛ فلإحاطة العلم أو عدم الدليل على الشرط فنحكم على الظاهر وإن كان أبو عمرو بن العلاء أطلق القول في الجواب إطلاقا فإنّما أراد به الخصوص دون العموم وتكلّم على معنى البيت الذي استشهد به.
وما رأيت أعجب من متكلّم يقطع على حسن معنى مع مضامّته لقبيح ، ويجعل حسنه مسقطا للذمّ على القبيح ، ثمّ يمتنع من حسن ذلك المعنى مع تعرّيه من ذلك القبيح ، ثمّ يفتخر بهذه النكتة عند أصحابه ويستحسنون احتجاجه المؤدّي إلى هذه المناقضة ولكن العصبية ترين القلوب (١).
فأنت أيّها القارئ الكريم بعد ما عرفت ما تلوناه عليك يظهر لك : أنّ جواز العفو الإلهي عن بعض المذنبين من غير توبة ، تفضّلا من الله تعالى ورحمة منه لعباده ومنة وإنعاما وإحسانا عليهم ـ بسبب الشفاعة من صاحب الرسالة المقدّسة أو من عترته الطاهرة ، أو من كلّ من أذن له الرحمن بأن يشفع عند الله تعالى ، أو بسبب صدور فعل
__________________
(١) الفصول المختارة ج ١ ، ص ٤٢ ـ ٤٣ ، الطبعة الأولى ـ النجف.