ثمّ إنّ هؤلاء قالوا : الصادر الأوّل عقل فيه تكثّر باعتبار وجوده وإمكانه الذاتي ووجوبه الغيري ، فتصدر الكثرة عنه حينئذ بذلك ، فيصدر عنه عقل آخر ونفس وفلك ، ويصدر عن العقل الثاني عقل آخر ونفس وفلك كذلك ، فأثبتوا عقولا عشرة سمّوا آخرها بالعقل الفعّال.
الثاني : النفوس الناطقة واستدلّوا على مغايرتها للأبدان أوّلا وعلى تجرّدها ثانيا.
أمّا الأوّل فلوجوه :
الأوّل : أنّ الواحد قد يغفل عن بدنه وأعضائه وأجزائه الظاهرة ولا يغفل عن ذاته ، فلا يكون ذاته هو البدن.
الثاني : أنّ البدن جسم فهو مشارك لغيره من الأجسام في الجسمية ومخالف له بنفسه الناطقة ، وما به المشاركة غير ما به المخالفة.
الثالث : أنّ البدن يتبدّل ولا شيء من النفس يتبدّل فلا يكون هو هي ، أمّا الأولى فلأنّ الحرارة الغريزية تقتضي تحليل الرطوبات البدنية ، فالبدن دائما في التحلّل والاستخلاف ، وأمّا الثانية فظاهر.
وأمّا الثاني : فتقريره بوجوه :
الأوّل : أنّ هنا معلوما غير منقسم كالواجب والنقطة والوحدة.
الثاني : أنّ العلم بذلك غير منقسم وإلّا لكان كلّ واحد من جزئه إمّا أن لا يكون علما ، وهو باطل ، لأنّ عند الاجتماع إن لم يحصل أمر زائد لم يكن ما فرضناه علما علما ، هذا خلف ، وإن حصل فذلك الزائد إمّا أن يكون منقسما فيعود الكلام ، أو غير منقسم وهو المطلوب ، أو يكون كل واحد من أجزائه علما تاما بكلّ (١) المعلوم فيتساوى الجزء الكل أو ببعضه فينقسم ، والفرض خلافه.
الثالث : أنّ محلّ العلم غير منقسم وإلّا لانقسم (٢) ، لأنّه إن لم يحلّ في شيء من
__________________
(١) لكل ـ خ : (د).
(٢) لانقسم العلم ـ خ : (آ).