على أنّا نقول بجواز أن يقال بتخصيص الذنب المغفور من عمومات الوعيد بالدلائل المنفصلة ، ولا خلف على هذا التقدير أيضا ، فلا يلزم تبديل القول كما دلّت عليه آية : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) (١).
ولنا أيضا حمل آيات الوعيد على استحقاق ما أوعد به لا على وقوعه بالفعل.
وللشيخ الإمام المفيد معلّم الأمّة قدّس الله روحه كلام مذكور في كتاب العيون والمحاسن ، ونقله عنه سيّد الأمّة السيّد علم الهدى المرتضى قدسسره في كتاب الفصول المختارة ، وهو كلام في غاية المتانة والدقّة والرزانة ، والأولى نقل ذلك هنا تتميما للفائدة.
قال السيّد (ره) ما هذا لفظه : قال الشيخ أدام الله عزّه : حكى أبو القاسم الكعبي في كتاب الغرر ، عن أبي الحسن الخيّاط ، قال حدّثني أبو مجالد قال : مرّ أبو عمرو بن علاء بعمرو بن عبيد وهو يتكلّم في الوعيد ، فقال ـ يعني أبا عمرو ـ : إنّما أتيتم من العجمة ؛ لأنّ العرب لا ترى ترك الوعيد ذمّا ، وإنّما ترى ترك الوعد ذمّا ، وأنشد :
وإنّي وإن أوعدته وعدته |
|
لأخلف إيعادي وأنجز موعدي |
قال : فقال له عمرو : أفليس يسمّى تارك الإيعاد مخلفا؟ قال : بلى ، قال : فنسمّي الله عزوجل مخلفا إذا لم يفعل ما أوعد ، قال : لا ، قال : فقد أبطلت شاهدك.
قال الشيخ أدام الله عزّه : ووجدت أبا القاسم قد اعتمد على هذا الكلام واستحسنه ، ورأيته قد وضعه في أماكن شتّى من كتبه واحتجّ به على أصحابنا الراجئة ، فيقال له : إنّ عمرو بن عبيد ذهب عن موضع الحجّة في الشعر وغالط أبا عمرو بن العلاء أو جهل مواضع العمدة من كلامه ، وذلك أنّه إذا كانت العرب والعجم وكلّ عاقل يستحسن العفو بعد الوعيد ولا يعلّقون بصاحبه ذمّا فقد بطل أن يكون العفو من الله تعالى مع الوعيد قبيحا ؛ لأنّه لو جاز أن يكون منه قبيحا ما هو حسن في الشاهد عند كل عاقل لجاز أن يكون منه حسنا ما هو قبيح في الشاهد عند كلّ عاقل ، وهذا نقض العدل
__________________
(١) ق ٥٠ : ٢٩.