الفصل الثاني : فيما لا يتوقّف عليه الأفعال ، وهو أقسام :
الأوّل : كونه سميعا وبصيرا ، أي عالم بالمسموع والمبصر ، وبرهانه ظاهر بعد ما تقدّم من عموم علمه ، فكان فيه غنية ، لكن ورد النقل بثبوت هذين (١) ومنع العقل من ظاهرهما فحملناه على العلم مجازا.
واستدلال الأشعري على ثبوتهما له بأنّه حيّ ، وكلّ حيّ يصحّ عليه ذلك ، فتجبان له ؛ إذ لولاه لكان موصوفا بضدّهما ، وضدّهما نقص باطل ، لانتقاض الكبرى بكثير من الحيوان ؛ فإنّ السمك لا سمع له والعقرب والخلد (٢) لا بصر لهما والديدان ليس لها شيء منهما ، ونمنع وجوب الاتّصاف بالضدّ لولاه ، فإنّ الشفّاف جسم يجوز اتّصافه بالضدّين ، وهما مسلوبان عنه ، ونمنع كون ضدهما نقصا مطلقا بل في حقّ من يجوزان عليه.
الثاني : كونه متكلّما أي فاعلا للكلام (٣) الذي هو الحرف والصوت في جسم يعبّر به عن مراده ، ودليل إمكانه : عموم قدرته للممكنات وثبوته له ، للنقل ، وإطباق أهل اللغة على أنّ المتكلّم من فعل الكلام ينفي تفسير الأشعرية له بأنّه من قام به الكلام ، وإلّا لكان الصدى والمصروع متكلّمين ، ومنعه ظاهر في البين ، ولأنّه مبنيّ على تفسير الكلام بالمعنى وهو باطل ، فإنّ المتبادر إلى الذهن ليس إلّا تفسيرنا وإلّا لكان الأخرس والساكت متكلّمين ، وهو باطل.
واستدلال الأشعري (٤) بأنّ الألفاظ موضوعة بإزاء المعاني ، أعني الصور الذهنية ، فإنّا إذا نطقنا بخبر مدلوله ليس نفس الاعتقاد لجواز أن يكون بخلافه ، ولا نفس الإرادة ؛ لأنّ الخبر يتعلّق (٥) بالواجب والممكن ، ولا شيء من الإرادة كذلك فهو أمر آخر ، وهو
__________________
(١) هاتين ـ خ : (آ).
(٢) الخلد نوع من القواضم يعيش تحت الأرض ، وهو ليس له عينان ولا أذنان.
(٣) فاعل الكلام ـ خ : (آ).
(٤) واستدلاله بأنّ ... خ : (آ).
(٥) متعلّق ـ خ : (آ).